وقال الرضيّ والشاطبيّ : والظاهر مذهب البصريّين لما ثبت عن العرب أنّها إذا أرادت التوكيد أتت بالضمير المرفوع المنفصل ، فقال : جئت أنت ، ورأيتك أنت ، ومررت بك أنت ، وإذا أرادت البدل ، وافقت بين التابع والمتبوع ، فقال : جئت أنت ورأيتك إيّاك ، ومررت به به ، فيتّخذ لفظ التوكيد والبدل في المرفوع ، ويختلف في غيره ، هكذا نقل سيبويه عن العرب ، وتلقاه منه غيره بالقبول ، وهم المؤتمنون على ما ينقلون ، لأنهم شافهوا العرب ، وعرفوا مقاصدهم ، فلا يعارض هذا بقياس ، انتهى.
وأمّا نحو : أجبت زيدا إيّاه ، فقال ابن مالك : الصحيح عندي أنّه لم يستعمل في كلام العرب نثره ونظمه ، فلو استعمل لكان توكيدا لا بدلا ، وقال ابن هشام : ـ وفي ما قاله نظر ـ لأنّه لا يؤكّد القويّ بالضعيف ، وقد قالت العرب : زيد هو الفاضل ، وجوّز النّحويّون في هو أن يكون بدلا ، وأن يكون مبتدأ ، وأن يكون فضلا ، انتهى. وظاهر إيراد قوله : وقد قالت العرب إلى آخره في سياق الردّ على ابن مالك أنّ فيه ردّا عليه ، وفيه بحث.
تكميل : يوافق البدل متبوعه في واحد من أوجه الإعراب مطلقا ، وكذا في واحد من التذكير والافراد وضدّيهما إن كان بدل كلّ ، ما لم يمنع مانع ككون أحدهما مصدرا نحو : (مَفازاً* حَدائِقَ وَأَعْناباً) [النباء / ٣٢ و ٣١] أو قصد به التفضيل كقوله [من الطويل] :
٥٩٦ ـ وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت (١) |
ويخالفه في التعريف والتنكير ، فتبدل المعرفة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ومن المعرفة ، لكن إن اتّحد اللفظ في إبدال النكرة من مثلها اشترط أن يكون مع الثاني زيادة بيان كقراءة يعقوب (٢) : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [الجاثية / ٢٨] بنصب كلّ الثانية ، فإنّها قد اتّصل بها ذكر سبب الجثو.
ولا يشترط في إبدال النكرة من المعرفة اتّحاد اللفظ ، ولا أن تكون النكرة موصوفة خلافا للكوفيّين بشهادة السماع بخلافه كقوله [من الوافر] :
٥٩٧ ـ فلا وأبيك خير منك أنّي |
|
ليؤذيني التحمحم والصهيل (٣) |
__________________
(١) هو لكثير عزة. اللغة : شلّ العضو : أصيب بالشّلل ، أو يبس فيطلت حركته أو ضعفت.
(٢) يعقوب بن إسحاق كان أعلم الناس في زمانه بالقراءات والعربية ، له قراءة مشهورة به ، وهي إحدى القراءات العشر ، مات سنة ٢٠٥ ه ق. بغية الوعاة ٢ / ٣٤٨.
(٣) هو لشمير بن الحارث. اللغة : التحمحم : صوت الفرس إذا طلب العلف ، الصهيل : صهيل الفرس ، صوته مطلقا ، فهو من عطف العامّ على الخاصّ.