وأفهم تقييد المسألة بالمضمر أنّ إبدال الظاهر من الظاهر جائز كما مرّ ، وببدل الكلّ أنّ ابداله بدل بعض أو اشتمال جائز من المضمر مطلقا ، كقوله [من الرجز] :
٥٩٣ ـ أو عدني بالسّجن والأداهم |
|
رجلي فرجلي شثنه المناسم (١) |
فرجلي الأوّل بدل من ياء المتكلّم ، بدل بعض من كلّ ، وقوله [من الطويل] :
٥٩٤ ـ بلغنا السّماء مجدنا وسناؤنا |
|
وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا (٢) |
فمجدنا وسناؤنا بدل اشتمال من ضمير المتكلّم ، وهو نا ، وإنّما جاز ذلك ، لأنّ مدلول الثاني فيه ليس مدلول الأوّل ، فلم يبل بكون الأوّل أقوى وأخصّ ، لأنّ الثاني يفيد فائدة زائدة على المتبوع.
ويرد على المصنّف (ره) أنّهم جوّزوا إبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كلّ ، إذا كان مفيدا للإحاطة ، نحو قوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) [المائدة / ١١٤] ، وأوّلنا وآخرنا بدل كلّ من ضمير المتكلّم المجرور باللام ، ولذلك أعيدت اللام مع البدل ، ولم أر من حكى خلافا في جواز ذلك ، ولم يعتبر الأخفش قيد إفادة الاحاطة ، فجوزه مطلقا تمسّكا بقوله [من البسيط] :
٥٩٥ ـ بكم قريش كفينا كلّ معضلة |
|
وأمّ نهج الهدي من كان ضليلا (٣) |
«وقال بعض المحقّقين» وهو الإمام جمال الدين محمد بن مالك في التسهيل ، وتبعه الشيخ جمال الدين بن هشام في الأوضح والجامع : «لا يبدل المضمر» مطلقا «من مثله» أي من مضمر وقوفا مع السماع «ولا من الظاهر» قال في شرح التسهيل : إنّه لم يسمع ، «وما مثّل به لذلك» في كلام النحاة «مصنوع على العرب». وما أوهم ذلك جعل توكيدا «فنحو : قمت أنت» ، ورأيتك أنت ، ومررت بك أنت ، ورأيتك إياك ، وأجبت زيدا إيّاه «تأكيد لفظيّ» أمّا نحو : قمت أنت فكونه تاكيدا متّفق عليه من الفريقين ، وأمّا نحو : رأيتك إيّاك ، فالبصريّون على أنّه بدل ، والكوفيّون على أنّه توكيد.
قال ابن مالك : وقول الكوفيّين عندي أصحّ من قول البصريّين ، لأنّ نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتّصل في نحو : رأيتك إيّاك كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتّصل في نحو : فعلت أنت ، والمرفوع تأكيد بإجماع ، فليكن المنصوب تأكيدا ليجرى المتناسبان مجرى واحدا. قال المراديّ : وكأنّه يعني بقوله : تأكيدا بإجماع أنّه يجوز لا أنّه يتعيّن ، فإنّهم قد أعربوا قمت أنت بدلا ، انتهى ، فتأمّل.
__________________
(١) هو لعديل بن الفرج. اللغة : الأداهم : جمع أدهم وهو القيد ، الشثنة : الغلظة والخشنونه ، المناسم جمع منسم : خف البعير وأراد به تحت قدميه.
(٢) هو للنابغة الجعدي. اللغة : السناء : العلو والارتفاع.
(٣) لم ينسب البيت إلى قائل معين. اللغة : كفينا : وقينا ، أمّ : قصد ، ضليلا : الشديد الضلال.