الضوء (١) : وإنّما سمّي به ، لأنّ الفعل يصدر عنه ، والمصدر في الأصل هو الموضع الّذي تصدر عنه الإبل.
قال الرضيّ وسيبويه : يسمّى المصدر فعلا وحدثا وحدثانا ، قال ابن مالك : وهو من تسمية الشيء بلفظ مدلوله ، وبدأ به ، لأنّه أصل المشتقّ على الصحيح كما سيأتي ، ولأنّه يعمل في الأزمنة كلّها.
«وهو اسم للحدث» أي اسم يدلّ على الحدث مطابقة كالضرب أو تضمّنا كالجلسة والجلسة ، وهذا كالجنس يشمل المحدود وغيره من أسماء المصادر ونحوها ، وقوله : «الّذي اشتقّ منه الفعل» أخرج ما عدا المحدود ، وهذا الحدّ أولى من حدّه في التهذيب (٢) تبعا للكافية ، بأنّه اسم الحدث الجاري على الفعل لما في لفظ الجرى ان من الإبهام الّذي ينبغي صيانة الحدّ عن مثله ، وفسّر بعضهم جرى انه على الفعل باشتماله على جميع حروفه ، وهو منقوض بالصفات كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، فإنّها جارية على الفعل بالمعنى المذكور لاشتمالها على جميع حروف أفعالها ، فالأولى أن يفسّر الجريان بما قاله غير واحد من أنّه إيراد اسم الحدث بعد ما اشتقّ منه منصوبا به على أنّه مفعول مطلق ، وحينئذ تخرج المذكورات قطعا.
ثمّ حدّه هنا مبنيّ على مذهب البصريّين من أنّ المصدر أصل الفعل ، وهو فرعه ، وذهب الكوفيّون إلى العكس ، وقال ابن طلحة ، كلّ منهما أصل ، فلا اشتقاق.
احتجّ البصريّون من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ المصدر اسم ، والاسم أولى بالأصالة من الفعل.
الثاني : أنّ المصدر يدلّ على معنى واحد ، وهو الحدث ، والفعل يدلّ على معنيين ، وهما الحدث والزمان ، والواحد قبل الاثنين.
الثالث : وهو العمدة ، إنّ كلّ فرع يوجد من أصل ، ويصاغ منه ، ينبغي أن يكون في الفرع ما في الأصل مع زيادة ، هي الغرض من الصوغ كالباب من الساج والخاتم من الفضة ، وهكذا حال الفعل فيه معنى المصدر مع زيادة أحد الأزمنة الّتي هي الغرض من وضع الفعل ، لأنّه كان يحصل في نحو قولك : لزيد ضرب ، نسبة الضرب إلى زيد ، لكنّهم طلبوا بيان زمان الفعل على وجه أخصر (٣) ، فوضعوا الفعل الدالّ بجوهر حروفه على المصدر وبوزنه على الزمان.
__________________
(١) «الضوء» شرح لمحمد بن محمد الأسفرايني على كتاب «المصباح» في النحو للمطرزي النحويّ المتوفى سنة ٦١٠ ه ق ، وقد اعتني عدد من العلماء بشرح الضوء. كشف الظنون ٢ / ١٧٠٨.
(٢) التهذيب في النحو لأبي البقاء العكبري المتوفى سنة ٥٣٨ ه ق المصدر السابق ١ / ٥١٨.
(٣) أخصر : أوجز.