واحتجّ الكوفيّون من ثلاثة أوجه أيضا :
الأوّل : إنّ الفعل يعمل في المصدر كقوله : نظرت نظرا ، والعامل أولى بالأصالة ، ونقض بالحروف ، فإنّها يعمل في الأسماء والافعال ، وليست أصولا لها.
الثاني : إنّ المصدر يذكر توكيدا للفعل كقولك : قمت قياما ، والمؤكّد أولى بالإصالة ، ونقض بنحو : قام القوم أجمعون ، مع أنّ أحدهما غير مشتقّ من الآخر.
الثالث : إنّ المصدر يعتلّ بإعتدال الفعل كقولك : قام قياما وصام صياما ، ويصحّ بصحّته كقولك : عاود عوادا ، والمتبوع أولى بالأصالة ، ونقض بالمضارع ، فإنّه يعتلّ بإعتلال الماضي ، نحو : قام يقوم ، ويصحّ بصحّته ، نحو : عور يعور ، وليس أحدهما مشتقّا من الآخر.
تنبيهات : الأوّل : بنى بعض المتأخّرين تعيّن الفعل الّذي يشتقّ المصدر منه على قول الكوفيّين على الخلاف في الأفعال أيّما زمانه أسبق. فقيل : الماضي ، وقيل : المستقبل ، وهو الحقّ ، لأنّ الماضي كان قبل وجوده مستقبلا ، إذ هو مسبوق بعدمه.
الثاني : اختلف في الصفة ، فالجمهور على أنّ أصلها المصدر ، قال ابن مالك في شرح التسهيل ببعض ما استدللنا به على فرعية الفعل بالنسبة إلى المصدر ، ويستدلّ على فرعية الصفة بالنسبة إليه ، لأنّ كلّ صفة تضمّنت حروف الفعل فيها ما في المصدر من الدلالة على الحدث ، وتزيد بالدلالة على ما هي له كما زاد الفعل بالدلالة على الزمان المعيّن ، فيجب كون الصفة مشتقّة من المصدر لا من الفعل ، إذ ليس فيها ما في الفعل من الدلالة على زمان معيّن ، وذهب جماعة إلى أنّ أصلها الفعل ، ونسب الرضيّ هذا القول إلى السيرافيّ.
وقال العلامة الحسن بن المطهر الحليّ (ره) (١) في نهاية الأصول : ذكر أبو على في التمكلة (٢) أنّها مشتقّة من الأفعال ، وكذا عبد القاهر ، واستدلّ أبو على بكونها جارية على سنن الأفعال وطريقتها ، والأفعال أصولها القريبة ، والمصادر الّتي هي أفعال حقيقة أصولها البعيدة ، وإذا ثبت هذا كان لنا أن نشتقّها من الأفعال لأصالتها القريبة ومن المصادر لأصالتها البعيدة ، انتهى.
__________________
(١) الحسن بن يوسف بن على بن المطهر الحليّ يعرف بالعلّامة من أئمة الشيعة وأحد كبار العلماء له كتب كثيرة منها «كتر العرفان في معرفة القرآن» و «مطالب العلمية في علم العربية. الأعلام للزركلي ٢ / ٢٤٤ ..
(٢) التكملة كتاب في النحو ، صنفه أبو على الفارسي بعد تصنيف الإيضاح في النحو. كشف الظنون ١ / ٢١١.