ردّوا على من قال في بسم الله : إنّ التقدير ابتدائي بسم الله ثابت ، فحذف المبتدأ والخبر ، وأبقي معمول المبتدإ ، وجعلوا من الضرورة قوله [من البسيط] :
٦٠٧ ـ هل تذكرنّ إلى الدّيرين هجرتكم |
|
ومسحكم صلبكم رحمان قربانا (١) |
لأنّه بتقدير وقولكم يا رحمن قربانا ، انتهى ، والأولى أن يقال : أنّه بتقدير قائلين يا رحمن قربانا.
فإذا توفّرت هذه الشروط للمصدر عمل عمل فعله مطلقا ، كما مرّ ، «إلا إذا كان مفعولا مطلقا» لأنّ تقديره بأن والفعل أو بما والفعل حينئذ متعذّر ، إذ ليس معنى ضربت ضربا أو ضربة أو ضربا شديدا ضربت أن ضربت ، وأمّا قولك : ضربت ضرب الأمير اللص ، فالمصدر العامل ليس مفعولا مطلقا في الحقيقة ، بل المفعول المطلق محذوف ، تقديره ضربا مثل ضرب الأمير اللص ، فالعمل في نحو قولك : ضربت ضربا زيدا ، وقولك : ضربة زيدا في جواب من قال لك : كم ضربت؟ ليس للمصدر ، بل للفعل الظاهر في المثال الأوّل وللمقدّر في المثال الثاني ، «إلا إذا كان» المفعول المطلق «بدلا من الفعل» ، أي سادا مسدّه بعد حذفه وجوبا «ففيه وجهان» :
أحدهما : أن يكون العامل الفعل المحذوف ، بناء على أنّ الأصل في العمل له ، ولا ينعزل عنه بالحذف ، وهذا رأي المبرّد والسيرافيّ وجماعة.
الثاني : أن يكون العامل المصدر لا لكونه مصدرا ، بل لكونه بدلا عن الفعل بدليل أنّه لا يجمع بينهما لفظا ، كما لا يجمع بين البدل والمبدل منه ، فإذا قلت سقيا زيدا ، فزيدا منصوب سقيا من حيث إنّه قام مقام اسق ، لا من حيث كونه مصدرا هو مفعول مطلق ، وإلا لزم أن يعمل كلّ مصدر هو مفعول مطلق ، وهذا الوجه ذهب إليه سيبويه والأخفش والفرّاء والزجّاج والفارسيّ ، وذهب بعضهم إلى أنّ العامل فعل من غير لفظ المصدر كالزم ونحوه ، وهذا وجه ثالث.
تنبيه : المفعول المطلق لا يكون بدلا عن الفعل حقيقة ، إذ لو كان لم يقدّر الفعل قبله ، فلم ينتصب ، وإنّما يقال : إنّه بدل عن الفعل مجازا ، إذا لم يجز إظهار الفعل ، فكأنّه بدل منه ، قاله الرضيّ.
«والأكثر» في المصدر «أن يضاف إلى فاعله» ، لأنّه محلّه الّذي يقوم به ، فجعله معه كلفظ واحد باضافته إليه أولى من رفعه له ، ومن جعله مع مفعوله كلفظ واحد نحو قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) [البقرة / ٢٥١] ، ويجوز أن يضاف إلى مفعوله إذا قامت
__________________
(١) هو لجرير من قصيدة طويلة يهجو فيها الأخطل. اللغة : الديرين : تثنيه الدير ، وهو معبد من معابد النصاري ، صلبكم : جمع صليب ، قربانا : أي تقربا.