وإعماله منوّنا أقيس من إعماله مضافا وبأل ، لأنّه يشبه الفعل حينئذ في التنكير ، نحو : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) [البلد / ١٤] ، ومنعه الكوفيّون ، وقالوا : العمل بعده للفعل ، وقدّروا يطعم يتيما.
«وإعماله مع اللام ضعيف» في القياس لبعده عن مشابهة الفعل باقترانه بأل ، وهو قليل في الاستعمال أيضا ، فلذلك لا يعمل عند بعضهم إلا في الشعر «كقوله» أي الشاعر يصف رجلا بضعف الراي [من المتقارب] :
٦١٣ ـ «ضعيف النّكاية أعداءه» |
|
يخال الفرار يراخي الأجل (١) |
فالنكاية مصدر مقرون بأل ، وفاعله محذوف ، وأعداؤه مفعوله ، والمعنى ضعيف نكايته أعداءه ، يظنّ أنّ الفرار من الموت يباعد الأجل ، فلا يحارب أعداءه حبّا للسلامة وحذرا من العطب (٢) وفي التتريل : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة / ٨] ، وما أحسن قول العميد فخر الكتاب مؤيّد الدين الطغرايي (٣) [من البسيط] :
٦١٤ ـ حبّ السلامة يثني همّ صاحبه |
|
عن المعإلى ويغري المرء بالكسل |
وإن جنحت إليه فاتّخذ نفقا |
|
في الأرض أو سلّما في الجوّ فاعتزل |
ودع غمار العلى للمقدمين على |
|
ركوبها واقتنع منهنّ بالبلل (٤) |
وحكى المراديّ في شرح التسهيل في إعمال المصدر مع أل أربعة مذاهب : أحدها الجواز ، وهو مذهب الخليل وسيبويه. الثاني : المنع ، وهو مذهب الكوفيّين وبعض البصريّين. الثالث : جوازه على قبح ، وهو مذهب الفارسيّ ، وجماعة من البصريّين.
الرابع : التفصييل بين أن تكون أل معاقبة للضمير ، فيجوز نحو : إنّك والضرب خالدا المسئ إليه ، أي إنّك وضربك خالدا ، أو لا تكون معاقبة له ، فلا يجوز نحو : عجبت من الضرب عمرا ، وهو مذهب ابن طلحة وابن طراوة.
قال الشيخ أثير الدين : وهذا المذهب هو الصحيح ، واستدلّ بأنّ أل في الشواهد الّتي ذكروها معاقبة للضمير ، ومن منع إعماله مطلقا قدّر لما يقع بعده من منصوب ناصبا يدلّ عليه المصدر ، فيقدّر في قوله [من المتقارب] :
٦١٥ ـ ضعيف النكاية أعداءه |
|
... (٥) |
__________________
(١) لم يسمّ قائله. اللغة : النكاية : مصدر نكيت في العدو ، إذا أثرت فيه ، يخال : يظنّ ، يراخي : يؤجل.
(٢) العطب : الهلاك.
(٣) هو مؤيد الدين الاستاذ العميد فخر الكتّاب آخر فحول المشرق في الشعر ، ومن شعره لامية العجم المشهورة ، قتل في فتنة سياسية سنة ٥١٣ ه. احمد الاسكندري والآخرون ، المنتخب من أدب العرب ، الجزء الثاني ، لاط ، المطبعة الاميرية بالقاهرة ، ١٩٥١ م ، ص ١٦.
(٤) اللغة : الهم : العزم ، يغري : يولع ، غمار : جمع غمرة وهو الماء الكثير ، البلل : التندية.
(٥) تقدّم برقم ٦١٣.