قال الأندلسيّ : معنى حكاية الحال أن تقدّر نفسك كأنّك موجود في ذلك الزمان ، أو تقدّر ذلك الزمان كأنّه موجود الآن ، ولا يريدون به أنّ اللفظ الّذي في ذلك الزمان (١) محكى الآن على ما يلفظ به كما في قوله : دعنا من ثمرتان ، بل المقصود حكاية الحال حكاية المعاني الكائنة حينئذ لا الألفاظ.
قال الزمخشريّ : معنى حكاية الحال أن تقدّر أنّ ذلك الفعل الماضي واقع في حال التّكلّم ، كما في قوله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) [البقرة / ٩١] ، وإنّما يفعل هذا في الفعل الماضي المستغرب ، كأنّك تحضره للمخاطب وتصوّره له ، ليتعجّب منه ، تقول : رأيت الأسد فأخذ السيف فقتله.
تنبيهان : الأوّل : إنّما جعلت الواو من : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) من كلام المصنّف لا من جملة الآية ليرتبط الكلام ، فتكون للاستئناف ، والجملة مستأنفة ، وجعلها بعضهم من جملة الآية ، وهو كما ترى. فإن قلت : يلزم على صنعك حذف الواو الّتي هي جزء من الآية ، قلت : لا محذور في ذلك فقد وقع مثله في كلامه (ص) ، نبّه على ذلك النوويّ (٢) وغيره.
الثاني : محلّ الخلاف ، أنّما هو في رفعه الظاهر ونصب المفعول به ونحوه من المعمولات الفعلية لكونها أجنبيّة. أمّا رفعه الضمير المستتر فحكى ابن عصفور الاتّفاق عليه ، وتعقّبه أبو حيّان بأنّ ابن خروف وابن طاهر على أنّه لا يرفعه ولا يتحمّله. قال : والّذي تلقّيناه عن الشيوخ أنّه يتحمّله لاشتقاقه ، وأمّا النصب للظرف ، فيجوز ، لأنّه تكفيه رائحة الفعل ، والظاهر أنّ الحال والمفعول المطلق مثله ، لأنّ الحال كالظرف ، والمفعول المطلق ليس بأجنبيّ.
وأمّا رفعه الظاهر فقال أبو حيّان : إنّ ظاهر كلام سيبويه جوازه ، وهو اختيار ابن عصفور وبعض النّحويّين. قال الرضيّ : عمل اسم الفاعل والمفعول الرفع جائز مطلقا ، سواء كانا بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال ، أو لم يكونا لأحد الأزمنة الثلاثة ، بل كانا للإطلاق المستفاد منه الاستمرار ، نحو : زيد ضامر بطنه ومسوّد وجهه ، لأنّ أدني مشابهة الفعل تكفي في عمل الرفع لشدّة اختصاص المرفوع بالفعل ، وخاصّة إذا كان سببيّا ، ويعملانه في غير السبب أيضا بمعنى الإطلاق كانا ، أو بأحد الأزمنة الثلاثة ، نحو : مررت برجل قائم في داره عمرو ومضروب على بابه بكر ، انتهى.
__________________
(١) سقطت هذه الجمل في «ح».
(٢) النّووي (يحيي بن شرف) (ت ٦٧٦ ه / ١٢٧٧ م) محدّث من الأئمه ، من مصنفاته «الأربعول النووية» و «تهذيب الأسماء واللغات» المنجد في الأعلام ص ٥٨١.