من هذه المعنى ، ألا ترى أنّك إذا قلت : زيد أفضل من عمرو ، فمعناه زيد متجاوز في الفضل عن مرتبة عمرو ، فمن فيما نحن فيه كالتفضيليّة ، قاله الرضي كالّذي قبله.
الثالث : يجب أن تلا من التفضيليّة أفعل ، لأنّها من تمام معناه أو تلا معموله كقوله [من الطويل] :
٦٤٦ ـ فإنّا وجدنا العرض أحوج ساعة |
|
إلى الصّون من ريط يمان مسهّم (١) |
وقد يفصل بينهما بلو وفعلها نحو قولك : هي أحسن لو أنصفت من الشمس ، وأكره لو لم يمن من الحجر.
وقد يتقدّم عليه ضرورة كقوله [من الطويل] :
٦٤٧ ـ إذا سايرت أسماء يوما ظعينة |
|
فأسماء من تلك الظعينة أملح (٢) |
ويجب ذلك إن كان المفضول اسم استفهام ، أو مضافا إليه ، نحو : ممّن أنت أعلم ، ومن أيّ رجل أنت أكرم ، وذلك لأنّ اسم الاستفهام له الصدر ، وما أضيف إلى ما له الصدر ، فله الصدر كما مرّ.
«والثاني» وهو المستعمل بأل «يطابق موصوفه» وجوبا في الإفراد والتذكير وفروعهما للزوم مطابقة الصفة لموصوفها مع عدم المانع ، «ولا يجامع من» ، لأنّ من وأل تغني إحداهما عن الأخرى في إفادة ذكر المفضول ، فلو اجتمعتا كان إحداهما لغوا ، «نحو» : زيد الأفضل ، و «هند الفضلي ، والزيدان الأفضلان» ، والزيدون الأفضلون والهندات الفضيلات أو الفضل ، وعن الوهم في ذلك قول الجاحظ في قول الأعشى [من السريع] :
٦٤٨ ـ ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر (٣) |
إنّه يبطل قول النّحويّين : لا يجتمع من وأل في اسم التفضيل فجعل كلّا من أل ومن متعد به جاريا على ظاهره ، والصواب أن تقدّر أل زائدة أو معرفة ، ومن متعلقة بأكثر منكّرا محذوفا مبدلا من المذكور أو بالمذكور على أنّها بمترلتها في قولك : أنت منهم الفارس البطل ، أي أنت من بينهم ، وقول بعضهم إنّما متعلقة بليس قد يردّ بأنّها لا تدلّ على الحدث ، وبأنّ فيه فصلا بين أفعل وتمييزه بالأجنبي.
__________________
(١) هو لأوس بن حجر. اللغة : العرض : موضع المدح والذم من الرجل. الصون : مصدر صانه يصونه بمعنى حفظه ووقاه ، ريط : الملاءة ، أو جمع ريطة بمعنى الغلالة الرقيقة ، مسهم : مخطط.
(٢) هذا البيت لجرير بن عطية. اللغة : سايرت : جارت وباهت ، ظعينة : أصله الهودج تكون فيه المرأة ، ثمّ نقل إلى المرأة في الهودج بعلاقة الحالية والمحلية ، ثمّ توسعوا فيه فأطلقوه على المرأة مطلقا ، راكبة ، أو غير راكبة.
(٣) البيت للأعشى ميمون بن قيس. اللغة : الأكثر حصى : كناية عن كثرة الأعوان والأنصار ، الكاثر : الغالب في الكثرة.