ولا خلاف في نصبه الظرف ، نحو : زيد أفضل الناس اليوم ، لأنّ الظرف يتوسّع فيه ، وتكفيه رائحة الفعل ، والحال نحو : زيد أحسن الناس متبسما ، لأنّها بمثابة الظرف ، وفي معناه التمييز نحو : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) [الكهف / ٣٤] ، لأنّه في غاية الضعف ، إذ ينصبه ما يخلو عن معنى الفعل أيضا ، وما لا يشمّ رائحته نحو : راقود خلّا (١).
«ورفعه للظاهر» أي الموجود الّذي يسمع التلفّظ به ، فيشتمل الضمير المنفصل أيضا «قليل» مختصّ بلغة ضعيفة حكاها سيبويه «نحو رأيت رجلا أحسن منه أبوه» أو أنت ، ينصب أحسن على أنّه صفة لرجل ، ويرفع أبوه أو أنت على الفاعلية بأحسن على معنى فاقه في الحسن أبوه أو أنت ، وأكثر العرب يوجب رفع أحسن في ذلك على أنّه خبر مقدّم ، وأبوه أو أنت مبتدأ مؤخّر ، وفاعل أحسن ضمير مستتر فيه عائد على المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع نصب صفة لرجل ، ورابطها الضمير المجرور بمن.
ولا يرفعون به الظاهر لضعفه عن العمل ، لأنّه ليس له فعل بمعناه في الزيادة حيث يعمل عمله ، ولا هو مشابه لاسم الفاعل ، ليحمل عليه في العمل في الظاهر ، كما حملت عليه الصفة المشبهة في العمل فيه ، لأنّ اسم الفاعل يثنّى ويجمع ، واسم التفضيل لا يثنّى ولا يجمع ما هو الأصل فيه ، وهو المستعمل بمن ، بخلاف الصفة المشبة ، فإنّها تثنّى وتجمع كما مرّ.
«ويكثر ذلك» أي رفعه للظاهر في مسالة الكحل ، وضابطها أن يكون اسم التفضيل صفة في المعنى لاسم جنس مسبوق بنفي ، ومرفوعه أجنبيّا مفضلّا على نفسه باعتبارين «نحو» قول العرب : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» ، فأحسن صفة لرجل ، وهو اسم جنس مسبوق بنفي ، والكحل مرفوع به على أنّه فاعله ، وهو أجنبيّ من الموصوف ، لكونه لم يتّصل بضميره ، وفي عينه ظرف مستقرّ حال من الكحل ، وقدّمت عليه ، ومنه لغو متعلّق بأحسن زيد ، وفي عين زيد مستقرّ حال من الضمير المجرور بمن ، والمعنى : ما رأيت رجلا أحسن الكحل كائنا في عينه منه ، أي من الكحل كائنا في عين زيد ، وقد ظهر أنّ الكحل الّذي هو مرفوع اسم التفضيل مفضّل على نفسه باعتبارين ، أمّا كونه مفضّلا فباعتبار كونه في عين الرجل ، وأمّا كونه مفضّلا على نفسه فباعتبار كونه في عين زيد.
قال في الهمع : ولاشتهار هذا المثال في ما بين النحاة بهذه المسألة عرفت بمسالة الكحل ، وإنّما ساغ لاسم التفضيل هنا ذلك العمل ، «لأنّه بمعنى الفعل» إذ يصحّ أن
__________________
(١) الراقود : إناء خزف مستطيل مقيّر.