قال أبو حيّان : ورواية الثقة مقبولة ، ومن حفظ حجّة على من لم يحفظ ، إلا أنّها لغة نادرة جدّا ، ولذلك أنكرها الكسائيّ والفرّاء على اتّساع حفظهما ، وأخذهما بالشاذّ والقليل ، قاله في الهمع. وقال في التصريح : إلغاؤها هو القياس ، لأنّها غير مختصّة ، وإنّما أعملها الأكثرون حملا على الظّنّ ، لأنّها مثلها في جواز تقديمها على الجملة وتأخيرها عنها وتوسّطها بين جزءيها كما حملت ما على ليس ، لأنّها مثلها في نفي الحال ، والمرجع في ذلك كلّه إلى السماع ، انتهى.
ويجوز الفصل بينها وبين المضارع «بالقسم» ولا يقدح في نصبها له كقوله [من الوافر] :
٦٩٦ ـ إذن والله نرميهم بحرب |
|
تشيب الطفل من قبل المشيب (١) |
وإنّما اغتفر الفصل به لأنّه زائد : جيء به للتأكيد ، فلا يمتنع النصب كما لا يمنع الجرّ في قولهم : إنّ الشاة لتجترّ فتسمع صوت والله ربّها.
وأجاز ابن هشام في المغني والشذور الفصل بلا النافيه أيضا ، نحو : إذن لا أهينك ، لأنّ النافي كالجزء من المنفي ، فكأنّه لا فاصل ، وأجاز ابن عصفور والأبذيّ وغيرهما الفصل بالظرف ، وابن بابشاذ الفصل بالنداء أو الدعاء ، والرضيّ بأحد الثلاثة ، والكسائيّ وهشام الفصل بمعمول الفعل ، نحو : إذن زيدا أكرم ، والأرجح عند الكسائيّ النصب ، وعنده هشام الرفع.
وفي المضارع «بعد» إذن «التالية للواو والفاء وجهان» الرفع والنصب باعتبارين ، فالرفع باعتبار كون العاطف من تمام ما قبله بسبب ربطه بعض الكلام ببعض ، والنصب باعتبار كون ما بعد العاطف جملة مستقلّة ، والفعل فيها بعد إذن ليس من تمام ما قبلها ، والرفع أجود وأكثر في لسان العرب ، قال تعالى : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء / ٧٦] ، (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء / ٥٣] ، وقرئ شاذّا بالنصب فيهما.
قال ابن هشام في المغني : والتحقيق أنّه إذا قيل : إن تزرني أزرك ، وإذن أحسن إليك ، فإن قدّرت العطف على الجواب ، جزمت ، وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا ، أو على الجملتين معا ، جاز الرفع والنصب لتقدّم العاطف فقط ، وقيل : يتعيّن النصب ، لأنّ ما بعدها مستأنف ، أو لأنّ المعطوف على الأوّل أولى ، ومثل ذلك زيد يقوم ، وإذن أحسن إليه ، إن عطفت على الفعلية ، رفعت ، أو على الاسميّة فالمذهبان.
__________________
(١) هو لحسان بن ثابت. اللغة : تشيب : تصيّره أشيب.