قال ابن هشام : كانت العرب إذا رأت البقر عافت ورود الماء ، تعمّد إلى الثور ، فتضربه ، فترد البقر حينئذ ، ولا تمتنع منه فرقا من الضرب أن يصيبها ، وإنّما امتنعوا من ضربها لضعفها عن حمله بخلاف الثور. وقيل : المراد بالثور : ثور الطحلب ، وهو الّذي يعلو الماء فيصدّ البقر عن الشرب ، فيضربه صاحب البقر لتفحص عن الماء فتشربه ، والمناسب للتشبيه الأوّل ، لأنّ الغرض من وقوع الفعل به تخويف غيره ، وأيضا فلو كان المراد بالثور الطحلب ، لم يكن لذكر البقر خصوصيته ، بل البقر وغيرها في ذلك شرع (١) ، فتأمّل.
وخرج بقوله على اسم صريح ، نحو : الطائر فيغضب زيد الذباب ، فلا ينصب الفعل ، لأنّ الاسم المعطوف عليه مؤوّل بالفعل لوقوعه صلة لال ، أي الّذي يطير.
الثاني : بعد لام كي ، وهي لام السببيّة ، وإنّما أضيفت إلى كي ، لأنّها بمعناها ، وذلك إذا لم يقترن الفعل بعدها بلا النافية والزائدة ، نحو : أسلمت لأدخل الجنّة ، بنصب أدخل بأن مقدّرة بعد لام ، فلو اقترن الفعل بلا سواء كانت نافية ، نحو : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) [البقرة / ١٥٠] ، أو زائدة نحو : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد / ٢٩] ، لم يجز إضمار أن ، لئلا يحصل الثقل لبقاء المثلين.
تنبيهان : الأوّل : قال ابن هشام في شرح الشذور وغيره : تضمر أن جوازا بعد العاقبة ، وهي الّتي يكون ما بعدها نقضيا لمقتضي ما قبلها نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص / ٨] ، فإنّ التقاطهم له أنّما كان لرأفتهم عليه ، ولما ألقى الله عليه من المحبّة ، فلا يراه أحد إلا أحبّه ، فقصدوا أن يصير قرّة عين لهم ، فصارت عاقبة الأمر أن كان لهم عدوّا وحزنا. وبعد اللام الزائدة ، وهي الآتية بعد فعل متعدّ ، نحو (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء / ٢٦] ، انتهى.
ولا يرد شيء منهما على قضيه كلام المصنّف (ره) ، لأنّ التحقيق أنّ كلّا منهما داخل في لام التعليل. أمّا العاقبة فقد مرّ أنّ البصريّين ينكرونها. قال الزمخشريّ : إنّها لام العلّة ، والتعليل فيها على طريق المجاز دون الحقيقة ، وبيانه أنّه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ، بل المحبّة والتبنّي ، غير أنّ ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبّه بالداعي الّذي يفعل الفعل لأجله ، فاللام للاستعارة لما يشبه التعليل كما أستعير الأسد لمن يشبه الأسد ، انتهى.
فتكون استعارة تبعية ، وتحقيقها هنا أنّه شبّه ترتّب العداوة والحزن على الالتقاط بترتّب علّته الغائية عليه ، ثمّ استعمل في المشبّهة اللام الموضوعة للمشبّه به ، أعني ترتّب
__________________
(١) شرع : سواء.