الاستقبال حقيقة ، لأنّ رجوع موسى ـ على نبينا وآله وعليه السّلام ـ مستقبل بالنظر (١) إلى تكلّمهم بذلك أو حكاية ، نحو : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة / ٢١] ، بنصب يقول في قراءة غير نافع (٢) ، فإنّ يقول مراد به لاستقبال حكاية لا تحقيقا ، لأنّ قول الرسول ماض بالنسبة إلى زمن الأخبار وقصّه علينا ، إلا أنّه حكي استقباله بالنظر إلى الزلزال.
واحترز بذلك عمّا إذا أريد به الحال ، فإنّها حينئذ تكون ابتدائية ، ويجب رفع المضارع بعدها على ما سنبيّنه. وقوله : «نحو أسير حتّى تغرب الشمس» مثال لحتّى بمعنى إلى ، أي إلى أن تغرب الشمس «وأسلمت حتّى أدخل الجنّة» مثال لها بمعنى كي ، أي أسلمت كي أدخل الجنة ، وهذان المعنيان هما اللّذان ذكرهما معظم النّحاة لحتّى هذه.
وزاد ابن مالك أنّها تكون بمعنى إلا الاستثنائيّة في الانقطاع وعلى تقدير ثبوته ، فهو قليل ، وأنشد على ذلك قوله [من الكامل] :
٧١٢ ـ ليس العطاء من الفضول سماحة |
|
حتّى تجود وما لديك قليل (٣) |
وقوله [من الرجز] :
٧١٣ ـ والله لا يذهب شيخي باطلا |
|
حتّى أبير مالكا وكاهلا (٤) |
لأنّ ما بعدهما ليس غاية لما قبلهما ولا مسبّبا عنه ، وإنّما لم يعترض المصنّف في الأصل لهذا المعنى لقلّته لذهابه إلى ما هو المشهور.
«فإن أردت» بالمضارع الداخل عليه حتّى زمان «الحال» تحقيقا ، نحو : سرت حتّى أدخل البلد ، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول ، أو حكاية ، نحو : سرت حتّى أدخله ، إذا قلته بعد حصول السير والدخول مخبرا عن ذلك حاكيا لحالة الدخول. وقد يؤوّل الاستقبال بالحال بأن يكون ما بعد حتّى لم يقع ، لكنّك متمكّن من إيقاعه في الحال ، نحو : سرت حتّى أدخلها ، أي فأنا الآن متمكّن من دخولها لا أمنع من ذلك «كانت» حتّى عند هذه الإرادة «حرف ابتداء» أي حرفا تبتدئ الجمل بعده ، وتستأنف ، ويرفع المضارع بعدها بثلاثة شروط.
أحدها : أن يكون حالا أو مؤوّلا به كما مرّ.
الثاني : أن يكون مسبّبا عمّا قبلها ، فلا يجوز سرت حتّى تطلع الشمس ، لأنّ طلوع الشمس لا يتسبّب عن السير.
__________________
(١) من الآية الشريفة حتّى هنا سقط في «ح».
(٢) في قراءة غير نافع سقط في «ح».
(٣) هو للمقنع الكندي. اللغة : الفضول : جمع فضل وهو بمعنى الزيادة. السماحه : السخاوة.
(٤) هو لامري القيس. اللغة : أبير : أهلك. يقسم فيه إلا يذهب دم أبيه باطلا حتّى يبيد القبيلتين الجانيتين عليه.