تنبيهات : الأوّل : يلحق بالنفي التشبيه الواقع موقعه ، نحو : كأنّك وال علينا فتشتمنا ، تقديره ما أنت وال علينا فتشتمنا ، قاله في التسهيل. قال أبو حيّان : وهذا شيء زعمه الكوفيّون ، ولا يحفظه البصريّون ، ولا يكون كأنّ أبدا إلا للتشبيه. وذكر ابن سيدة وابن مالك أنّه ربّما نفي بقد ، فينصب الجواب بعدها ، وحكي عن بعض الفصحاء : قد كنت في خير فنعرفه بالنصب ، يريد ما كنت في خير فنعرفه.
الثاني : يعتبر في الطلب أن يكون بصريح الفعل ، فإن دلّ عليه باسم فعل أو خبر ، لم يجز النصب ، نحو : صه فأكرمك ، ونحو : حسبك الحديث فينام الناس. هذا مذهب الجمهور ، وجوّزه الكسائيّ قياسا مطلقا ، وفصّل ابن جنيّ وابن عصفور ، فأجازا النصب بعد اسم الفعل ، إذا كان من لفظ الفعل ، نحو : نزال فنحدّثك ، ومنعناه إذا لم يكن من لفظه ، نحو : صه فنكرمك. قال ابن هشام : وما أجدر هذا القول بأن يكون صوابا ، قال أبو حيّان : الصواب أنّ ذلك لا يجوز ، لأنّه غير مسموع من كلام العرب.
الثالث : اختلف النحاة في الرجاء ، هل له جواب ، فينصب الفعل بعد الفاء جوابا له؟ فذهب البصريّون إلى أنّ الترجّي في حكم الواجب ، وأنّه لا ينصب الفعل بعد الفاء جوابا له ، وذهب الكوفيّون إلى جواز ذلك ، قال ابن مالك : وهو الصحيح ، قال تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) [عبس / ٣ و ٤] ، وقال تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر / ٣٧ و ٣٦] ، في قراءة من نصب فيهما.
قال أبو حيّان : يمكن تأويل الآيتين بأنّ النصب فيهما من العطف على التوهّم ، لأنّ خبر لعلّ كثر في لسان العرب دخول أن عليه ، قاله في الهمع.
ويمكن تأويل الآية الثانية أيضا إمّا على أنّه جواب للأمر ، وهو : (ابْنِ لِي صَرْحاً) [غافر / ٣٦] ، أو على العطف على الأسباب على حدّ قولها [من الوافر] :
٧١١ ـ ولبس عباءه وتقرّ عيني |
|
... (١) |
ذكره في المغني.
الرابع : الخلاف في الفاء والواو كالخلاف في أو ، من أنّ ما بعدهما منصوب بالمخالفة أو بهما ، والصحيح ما ذكره المصنّف ، كما تقدّم.
الخامس : «حتّى» إذا كانت بمعنى إلى الغائية بأن يكون ما بعدها غاية لما قبلها ، أو بمعنى كي السببيّة بأن يكون ما بعدها سببا لما قبلها ، واحترز بذلك عن العاطفة والابتدائيّة ، ولا ينصب المضارع بأن مضمرة بعدها ، إلا إذا أريد به الاستقبال تحقيقا ، نحو : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه / ٩١] ، فإنّ يرجع مراد به
__________________
(١) تقدّم برقم ٦٩٧.