قلت : وقد مضي فيما نقلته عن الهمع من استدلال سيبويه على حرفيّته ، إذ ما التصريح منه باسميّة حبّذا ، والعهدة عليه ، واستدلّ القائلون ببقاء حبّذا على أصلهما بأنّ الأصل عدم التغيير وباقتصارهم على حبّ ، إذا عطف على حبّذا كقوله [من السريع] :
٧٦٠ ـ فحبّذا ربّا وحبّ دينا (١)
أي فحبّذا دينا ، فحذف ، ولم يتغيّر المعنى ، ولا يفعل ذلك بنحو إذما وأخواته من المركّبات الّتي تغيّر حكمها بالتركيب ، واستدلّ مدّعي غلبة الفعلية بقولهم فيما حكى لا يحبّذه ، فجاؤوا لها بمضارع ، وردّ بجواز حذف المخصوص كقوله [من الطويل] :
٧٦١ ـ ألا حبّذا لو لا الحياء وربّما |
|
منحت الهوي ما ليس بالمتقارب (٢) |
أي ألا حبّذا حالتي معك. ولو كان فاعلا لم يجز ، لأنّ الفاعل لا يجوز حذفه ، وأمّا يحبّذه فمضارع حبّذه ، إذا قال له حبّذا ، لا مضارع حبّذا ، واستدلّ مدّعي غلبة الاسميّة بإكثار العرب من دخول يا عليها من غير استيحاش كقوله [من البسيط] :
٧٦٢ ـ يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل |
|
وحبّذا ساكن الريّان من كانا (٣) |
وقوله [من السريع] :
٧٦٣ ـ يا حبّذا القمراء واليل السّاج |
|
وطرق مثل ملاء النسّاج (٤) |
وبعدم الفصل بين حبّ وذا ، وبعدم تصرّف ذا بحسب المشار إليه.
«وبعده» أي بعد الفاعل المخصوص ، ولا يجوز تقدّمه عليه ، إذا لا يفصل بين حبّ وفاعلها ، وإن جاز ذلك في نعم على قول كما تقدّم ، لأنّ نعم هي الأصل المعقود عليه الباب ، ويجوز في الأصول لقوّتها ما لا يجوز في غيرها ، قاله ابن بابشاذ في شرح الجمل.
ولا تقدّمه على حبّذا بجملتها ، وإن جاز في نعم أيضا لما ذكر ، ولأنّها جارية مجري المثل كما مرّ ، ولئلا يتوهّم من قولك مثلا حبّذا كون المراد الاخبار بأنّ زيدا أحبّ ذا إن كان توهّما بعيدا ، نعم يجوز فصله من حبّذا بنداء كقول كثير [من الطويل] :
٧٦٤ ـ ألا حبّذا يا عزّ ذاك التساير |
|
... (٥) |
وبتمييز وحال كما سيأتي ، واختلف في إعرابه ، فقيل : هو مبتدأ ، والجملة من الفعل والفاعل قبله خبر ، والرابط ذا ، أو العموم إن قلنا : أريد الجنس ، وقيل : مبتدأ محذوف الخبر ، وقيل عكسه ، ويردّ هما أنّه يجوز حذف المخصوص ، فيلزم حذف الجملة
__________________
(١) قبله
«باسم الإله وبه بدينا |
|
ولو عبدنا غيره شقينا». |
(٢) هو لمرار (أو لمرداس) بن هماس الطائي.
(٣) هو لجرير بن عطية. اللغة : الريان : جبل ببلاد طي.
(٤) هو للحارثي. اللغة : الساج : الساكن ، الملاء : جمع الملاءه : الملحفة.
(٥) لم يوجد البيت في ديوان كثير.