التقدير في حبّذا هند مثلا حبّذا حسن هند. وفي حبّذا زيد ، حبّذا أمره ، أو شأنه ، فالمقدّر المشار إليه مذكّر مفرد ، واقيم المضاف إليه مقامه ، وردّه ابن العلج بأنّه لم ينطق به في وقت ، وقال الفارسيّ في البغداديات : لأنّ ذا جنس شايع ، فالتزم فيه الإفراد كفاعل نعم ، إذا كان ضميرا ، ولهذا يجامع التمييز ، فيقال : حبّذا زيد رجلا.
فائدة : إنّما لم تغيّر الأمثال ، لأنّ المثل من قبيل الاستعارة ، والاستعارة يجب أن يكون لفظ المشبه به مستعملا في المشبه ، فلو تطرّق تغيير إلى المثل لما كان لفظ المشبّه بعينه ، فلا تكون استعارة ، فلا يكون مثلا ، وتحقيق ذلك أنّ المستعار يجب أن يكون اللفظ الّذي هو حقّ المشبه به أخذ منه عارية للمشبه ، فلو وقع فيه تغيير لما كان هذا هو اللفظ الّذي يختصّ المشبه به ، فلا يكون عارية ، فلهذا لا يلتفت في المثل إلى مضربه تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتنثية وجمعا ، بل إنّما ينظر إلى مورد المثل.
مثلا إذا طلب رجل شيئا ضيّعه قبل ذلك ، تقول : بالصيف ضيّعت اللبن ، بكسر تاء الخطاب ، لأنّ المثل قد ورد في امرأة ، وأمّا ما يقع في كلامهم من نحو : ضيّعت اللبن بالصيف على لفظ المتكلّم فليس بمثل ، بل مأخوذ من المثل وإشارة إليه. قاله العلامة التفتازانيّ في شرح التلخيص. وقال بعض المحقّقين : إنّما لم تفتح التاء من قولك : في الصيف ضيّعت اللبن ، إذا كان المخاطب مذكّرا ، لأنّ المذكّر المخاطب الّذي هو ضرب له المثل يشبه بالمخاطبة الّتي هي مورد المثل ، فهو مؤنّث ادّعاء.
تنبيه : ما ذكره المصنّف من أنّ حبّ فعل وذا فاعلها ، وإنّما باقيان على أصلهما هو المشهور ، وهو قول درستويه وابن برهان وابن خروف وابن كيسان وابن مالك ، ونسب إلى ظاهر مذهب سيبويه ، وقال ابن خروف بعد أن مثّل بحبّذا زيد : حبّ فعل ، وذا فاعله ، وزيد مبتدأ ، وخبره حبّذا.
هذا قول سيبويه ، وأخطأ عليه من زعم غير ذلك ، وذهب قوم منهم الأخفش وخطاب (١) إلى أنّهما ركّبا ، وغلبت الفعلية لتقدّم الفعل ، فصار الجميع فعلا ، وما بعده فاعل ، وذهب المبرّد وابن السرّاج ، ووافقهما ابن عصفور ، إلى أنّهما ركّبا ، وغلبت الاسميّة لشرف الاسم ، فصار الجميع اسما مبنيّا ، وما بعده خبره ، ونسب ابن عصفور هذا القول إلى سيبويه.
__________________
(١) خطاب بن يوسف بن هلال القرطبي ، كان من جلّة النحاة ومحققيهم والمتقدّمين في المعرفة بعلوم اللسان على الإطلاق ، اختصر الزاهر لابن الانباري ، وله حظّ من قرض الشعر ، وهو صاحب كتاب الترشيح ، ينقل عنه أبو حيّان وابن هشام كثيرا ، بغية الوعاة ١ / ٥٥٣.