هشام في شرح الشذور ، قال : وحمل عليه قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) [يس / ٣١] ، وقدّر كم خبريّة منصوبة بأهلكنا ، والجملة سادّة مسدّ مفعولي يروا ، وأنّهم بتقدير بأنّهم كأنّه قيل : أهلكناهم بالاستقبال ، وهذا الإعراب والمعنى صحيحان ، لكن لا تتعيّن خبريّة كم ، بل يجوز أن تكون استفهاميّة ، ويؤيّده قراءة ابن مسعود : من أهلكنا ، انتهى.
الثاني : قد يتوهّم من بيان المصنّف اختصاص كلّ من الإلغاء والتعليق بأفعال القلوب ، وهو كذلك في الأوّل ، وكذا في الثاني على ما قاله ابن عصفور ، قال : لا يتعلّق فعل غير علم وظنّ حتّى يضمن معناهما ، وأرحج عندهم خلافه. قال ابن هشام في المغني : لا يختصّ التعليق بباب ظنّ ، بل هو جاز في كلّ فعل قلبيّ ، وقال في الجامع : يشارك أفعال القلوب في التعليق بالاستفهام فقط : نظر ، وأبصر ، وتفكّر ، وسأل وشبههنّ.
وفي الهمع ألحق بالأفعال المذكورة في التعليق لكن مع الاستفهام خاصّة أبصر نحو : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ* بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) [القلم / ٦ و ٥] ، وتفكّر كقوله [من الطويل] :
٧٩٦ ـ ... |
|
تفكّر أإيّاه يهنون أم قردا (١) |
وسأل نحو : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات / ١٢] وزاد ابن خروف نظر ، ووافقه ابن عصفور وابن مالك ، نحو : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية / ١٧] ، قال ابن زبير (٢) : ولم يذهب أحد إلى تعليقها سوي المذكورين.
وزاد ابن مالك نسي كقوله [من الطويل] :
٧٩٧ ـ ومن أنتم إنّا نسينا من أنتم |
|
... (٣) |
ونازعه أبو حيّان بأنّ ما في البيت يحتمل الموصوليّة ، وحذف العائد ، نحو : من هم أنتم. وزاد ابن مالك أيضا ما قارب المذكورات من الأفعال الّتي لها تعلّق بفعل القلب نحو [من البسيط] :
٧٩٨ ـ أما ترى أي برق هاهنا (٤) |
|
|
على أنّ رأي بصريّة : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) [يونس / ٥٣] ، لأنّ استنبأ بمعنى استعلم ، فهو طلب للعلم : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود / ٧] ، ونازعه أبو حيّان
__________________
(١) صدره «حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة» ، وهو لجامع بن عمرو. اللغة : الحزق : السيئ الخلق البخيل.
(٢) لم أجد ترجمة حياته.
(٣) تمامه «وريحكم من أيّ ريح الأعاصير» ، وهو لزياد بن الأعجم. اللغة : الأعاصير جمع الإعصار : ريح تهبّ بشدّة.
(٤) ما وجدت البيت ، ولكنه جاء هذا المصرع في المغني ، ولم يذكر صدره وقائله.