وقيل : هي للنداء ، والمنادى محذوف ، وقيل : هي لمجرّد التنبيه ، لئلا يلزم الاجحاف بحذف الجملة كلّها. (١)
وقال ابن مالك : إن وليها دعاء كهذا البيت ، أو أمر كتلك الآية ، فهي للنداء ، لكثرة وقوع النداء قبلهما ، نحو : (يا آدَمُ اسْكُنْ) [البقرة / ٣٥] ، (يا نُوحُ اهْبِطْ) [يونس / ٤٨] ، ونحو (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا) [الزخرف / ٧٧] ، وإلا فهي للتنبيه ، قاله ابن هشام في المغني.
«و» يختصّ «بالتثنية والجمع» ، لأنّ فيهما معنى النعت ، والنعت من خواصّ الاسم ، لأنّ المراد منه اختصاص المنعوت ، ليفيد الأخبار عنه ، والفعل والحرف لا يخبر عنهما ، فلا يصحّ نعمتهما ، وهذا التعليل أحسن من غيره.
وأمّا نحو : يضربان ويضربون فالتثنية والجمع إنّما وردا على الضمير الّذي هو الاسم لا الفعل ، وقول الحجّاج (٢) : يا «حرسي اضربا عنقه» أي اضرب اضرب ، وقوله تعإلى : (رَبِّ ارْجِعُونِ) [المومنون / ٩٩] على تأويل ارجعني ارجعني ارجعني ، فليس الأول تثنية ، ولا الثاني جمعا ، إذ التثنية ضمّ مفرد إلى مثله في اللفظ ، غيره في المعنى ، والجمع ضمّ مثليه أو أكثر في اللفظ ، غيره في المعنى. واضربا وارجعون بمعنى التكرير كما ذكرنا ، والتكرير ضمّ شيء إلى مثله في اللفظ ، والمعنى للتأكيد والتقرير ، والغالب في التأكيد أن يذكر بلفظين فصاعدا ، لكنّهم اختصروا في بعض المواضع بإجرائه مجري المثنّى والمجموع لمشابهته لهما من حيث إنّ التأكيد اللفظيّ أيضا ضمّ شيء إلى مثله في اللفظ ، وإن كان إيّاه في المعنى أيضا. فقوله. اضربا عنقه ، مثل لبيّك وسعديك ، وقوله تعإلى : (ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك / ٦٧] ، في كون اللفظ في صورة المثنّى ، وليس به ، قاله الرضيّ.
تنبيه : كتب المصنّف في الهامش ، وجعل بعضهم التصغير أيضا من خواصّه ، وأورد عليه ما أحيسنه ، ودفع بأنّه شاذّ ، انتهى.
قلت : ومثله قول الشاعر [من البسيط] :
٢٥ ـ يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا |
|
من هؤليائكنّ الضّال والسّمر (٣) |
قال ابن هشام في المغني : لم يسمع تصغير أفعل في التعجب ، إلا في أحسن وأملح ،
__________________
(١) لم يسمّ قائله ، كلمه يا للنداء والمنادى محذوف أي يا قوم ، أو للتنبيه ، ولعنة مبتدا وعلي سمعان خبره.
(٢) الحجاج بن يوسف الثقفي (ت ٩٥ ه) قائد وخطيب عربي. اشتهر بالبلاغة في الخطابة والشدّة في الحكم. المنجد في الأعلام ص ١١٣.
(٣) البيت لعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي أو للمجنون أو غيرهما ، اللغة : أميلح : وهو فعل التعجب من ملح فلان أي صار ذاملح. الغزلان : جمع غزال. الضال والسمر : نوعان من الشجر.