وعبارة الإرتشاف في النقل عن ابن الحاجّ : أكثر ما ورد فيه ذلك إذا كان المبتدأ موصولا أو موصوفا ، فيحتاج إلى إعادته بلفظ الإشارة المستعمل لما بعد كذلك ، وذاك وأولئك ، ويكون له موضع ليس للضمير ، لأنّه ليس في الضمير دلالة على البعد ، وظاهر هذا أنّه لا يمتنع عنده في ذلك وإن كان قليلا ، بل مفهومه أنّ ذلك كثير.
«أو كانت» الجملة «نفس المبتدإ» في المعنى ، فلا تحتاج إلى الضمير لارتباطهما به بلا ضمير ، لأنّها هو نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [التوحيد / ١] ، (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء / ٩٧] ، على أظهر الوجهين من أنّ هو ضمير الشأن ، وهي ضمير قصة ، وكما في قولك : مقولي حسبي الله ، والتحقيق أنّ هذا ليس من الإخبار بالجملة بل بالمفرد على إرادة اللفظ كما في عكسه ، نحو : لا حول ولا قوّة إلا بالله كتر من كنوز الجنّة ، نبّه عليه المراديّ وغيره.
تتمّة : ويغني عن الضمير في الربط أربعة أمور أخر :
أحدها : العطف بفاء السببيّة لجملة ذات ضمير على جملة حالية منه هي الخبر ، أو العكس ، فالأوّل نحو : زيد يطير الذباب فيغضب ، ففي يغضب ضمير عائد على زيد ، قال [من الطويل] :
٨٣٠ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة |
|
فيبدو وتارات يجمّ فيغرق (١) |
كذا قالوا. قال ابن هشام : وهو محتمل لأن يكون أصله يحسر الماء عنه ، أي ينكشف عنه. قال الدمامينىّ : لكن ما قالوه أظهر ، لأنّ الحذف خلاف الأصل ، ولا ضرورة تدعو إليه. والثاني كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [الحج / ٦٣] ، ففاء السببية نزّلت الجملتين مترلة الجملة الواحدة ، ولهذا اكتفى فيهما بضمير واحد ، وحينئذ فالخبر مجموعهما كما في جملتي الشرط والجزاء الواقعين خبرا ، نحو : زيد إن قام يغضب عمرو ، والمحلّ لذلك المجموع ، فالرابط في الموضعين في الحقيقة إنّما هو الضمير ، فمعنى زيد يطير الذباب فيغضب زيد ، لما يطير الذباب يغضب ، نصّ عليه في المغني ، قال : وهو بديع. وسبقه إلى ذلك ابن أبي الربيع. وفي الإرتشاف عن ابن الحاجّ وجدت في الأسئلة الّتي سأل عنها ابن ولّاد (٢) أبا إسحاق الزجّاج قال : لا يجوز زيد يطير الذباب فيغضب عند البصريّين ، ويجوز عند الكوفيّين ، انتهى. وفيه عن ابن عصفور أنّ الرابط بالفاء متّفق عليه.
__________________
(١) هو لذي الرّمة : اللغة : إنسان العين : ناظرها ، يحسر الماء : ينضب عن موضعه ويغور ، يجمّ : يكثر ويرتفع.
(٢) أحمد بن محمد بن ولّاد النحويّ هو والده وجده ، كان بصيرا بالنحو ، صنّف المقصور والممدود ، مات سنة ٣٣٢ ه ، المصدر السابق ١ / ٣٨٦.