نحو : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة / ٢ و ١] ، فالحاقّة الأولى مبتدأ ، وما اسم استفهام مبتدأ ثان ، والحاقّة الأخير خبر ما ، والجملة خبر المبتدإ الأوّل ، والرابط بينهما اشتمالها عليه لفظا ومعنى ، والأصحّ أنّ ذلك ليس ضعيفا ، كما قال سيبويه ، ولا خاصّا بالشعر ، كما قال الأعلم ، ولا بمقام التهويل والتفخيم ، وإن كان أكثر ما يقع في ذلك نحو : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة / ٢ و ١] ، (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [الواقعة / ٢٧].
الثاني : نحو : زيد جاءني أبو عبد الله ، كينة له ، أجازه الأخفش ، وتبعه ابن خروف ، ومنعه سيبويه والجمهور ، واستدلّ المجيز بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف / ١٧٠] ، فالّذين مبتدأ ، وجملة يمسّكون بالكتاب صلة الّذين ، وجملة وأقاموا الصلاة معطوفة على الصلاة ، وجملة إنّا لا نضيع أجر المصلحين ، خبر المبتدإ ، والرابط بينهما اشتمالها عليه معنى ، فإنّ المصلحين هم الّذين يمسّكون بالكتاب ، وردّ بمنع كون الّذين مبتدأ ، بل هو مجرور بالعطف على (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأعراف / ١٦٩] ، ولئن سلم فالرابط العموم ، لأنّ المصلحين أعمّ من المذكورين ، أو الضمير المحذوف ، أي منهم ، أو الخبر محذوف ، والجملة قبله دليل ، والتقدير مأجورون ، قاله في المغني.
أو اشتملت «على شامل له» أي للمبتدإ ، فهذا الاشتمال أيضا مغن عن الضمير ، نحو : زيد نعم الرجل ، فزيد مبتدأ ، وجملة نعم الرجل خبره ، والرابط بينهما اشتمال الجملة على الجنس الّذي يشتمل زيدا وغيره ، وهو الرجل ، إذ اللام فيه للجنس المستغرق على ما هو المشهور ، ويلزم عليه جواز : زيد مات الناس ، وعمرو كلّ الناس يموتون ، لأنّ الجملة مشتملة على شامل للمبتدإ ، ولا قائل به ، وقيل : الرابط اشتمال الجملة على المبتدإ معنى ، بناء على قول الأخفش في صحّة تلك المسالة ، وعلى القول في أنّ أل في نعم وبئس للعهد لا للجنس.
«أو» اشتملت على «إشارة إليه» أي المبتدإ ، فتقوم هذه الإشارة مقام الضمير في الربط ، نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) [الأعراف / ٣٦] ، (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف / ٢٦] ، إذا قدّر ذلك مبتدأ تابعا للباس ، وخصّ ابن الحاج في المسالة بكون المبتدأ موصولا أو موصوفا ، والإشارة إشارة البعيد ، فيمتنع عنده : زيد قام هذا ، لمانعين ، وزيد قام ذلك ، لمانع ، والحجّة قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء / ٣٦] ، كذا في المغني.