قد اجتمع وقوع الثاني من باب ظنّ وخبر كان ، وإنّ جملة في قول أبي ذؤيب [من الطويل] :
٨٣٩ ـ فإن تزعميني كنت أجهل فيكم |
|
فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل (١) |
«و» مفعولا «ثالثا لباب أعلم» ، نحو : أعلمت زيدا عمرا أبوه قائم ، فجملة أبوه قائم في موضع نصب على أنّها المفعول الثالث ، وإنّما لم تقع مفعولا ثانيا في باب أعلم ، لأنّ مفعوله الثاني مبتدأ في الأصل ، والمبتدأ لا يكون جملة.
«و» الثالثة أن تقع «معلّقا عنها العامل» ، وقد مرّ معنى التعليق في باب أفعال القلوب ، وأنّه لا يختصّ بها خلافا لابن عصفور ، بل هو جار في كلّ فعل قلبيّ ، فهي أعني الجملة في موضع المفعولين ، إن تعدّى العامل إلى اثنين ، نحو قوله تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [الكهف / ١٢] ، وفي موضع مفعول مقيّد بالجارّ ، إن تعدّي به نحو : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) [الأعراف / ١٨٤] ، (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) [الكهف / ١٩] ، (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات / ١٢] ، لأنّه يقال : تفكّرت فيه ، ونظرت فيه ، وسالت عنه ، ولكنّها علّقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول ، وهي من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف.
وفي موضع المفعول المسرح إلى أن تعدّى لواحد ، نحو : عرفت من أبوك ، لأنكّ تقول : عرفت زيدا ، ومنه على رأي ابن مالك [من البسيط] :
٨٤٠ ـ أما تري أيّ برق هاهنا (٢) |
|
|
لأنّ الرؤية فيه عنده بصريّة كما تقدّم ، ورأى البصريّة وسائر أفعال الحواس إنّما يتعدّى لواحد بلا خلاف إلا سمع المعلّقة باسم عين ، نحو : سمعت زيدا يقرأ ، فقيل : متعدّية لاثنين ، ثانيهما الجملة ، وقيل : متعدّية لواحد ، والجملة حال ، أمّا متعلّقه بمسموع فمتعدّية لواحد اتّفاقا ، نحو : (يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) [ق / ٤٢].
تنبيهات : الأوّل : اختلف في نحو : عرفت زيدا من هو ، فذهب الفارسيّ إلى أنّ الجملة في موضع المفعول الثاني لعرفت على تضمّنه معنى علمت ، واختاره أبو حيّان ، وردّ بأنّ التضمين لا ينقاس ، وهذا التركيب مقيس ، وذهب المبرّد والأعلم وابن خروف وغيرهم إلى أنّ الجملة في موضع نصب على الحال ، وردّ بأنّ الجمل الأنشائية لا تقع حالا ، وذهب السيرافيّ وابن عصفور وابن مالك وابن الصائغ وابن هشام إلى أنّ الجملة بدل من المنصوب ، ثمّ قال ابن عصفور : هي بدل كلّ من كلّ على حذف
__________________
(١) اللغة : شريت : ملكت بالبيع.
(٢) ما وجدت البيت ولكنه جاء هذا المصرع في المغني دون أن يذكر له صدره وقائله.