أمّا العطف على الجملة نفسها فجائز ، سواء كان المعطوف مفردا أو جملة ، فإذا كان مفردا انتصب لفظا ، نحو : قال إمّا زيد قائم ، أو لفظا آخر ، وإذا كان جملة انتصب محلا كما سيأتي.
الخامس : قال ابن هشام : من الجمل المحكية ما قد يخفى ، فمن ذلك بعد القول : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) [الصافات / ٣١] ، والأصل إنّكم لذائقون عذابي ، ثمّ عدل إلى التّكلّم ، لأنّهم تكلّموا عن أنفسهم ، كما قال [من الطويل] :
٨٣٧ ـ ألم تر أنّي يوم جوّ سويقة |
|
بكيت فنادتني هنيدة ماليا (١) |
والأصل مالك ، ومنه في المحكية بعد ما فيه معنى القول : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) [القلم / ٣٨ / ٣٧] ، أي تدرسون فيه هذا اللفظ ، وتدرسون قولنا هذا الكلام ، وذلك إمّا أن يكونوا خوطبوا بذلك في الكتاب على زعمهم ، أو الأصل : إنّ لهم لما تخيّرون ، ثمّ عدل إلى الخطاب عن مواجهتهم.
السادس : قد تقع الجملة بعد القول غير محكية ، وهي نوعان :
محكية بقول آخر محذوف ، كقوله تعالى : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) [الأعراف / ١١٠] ، بعد (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف / ١٠٩] ، لأنّ قولهم تمّ عند قوله : (مِنْ أَرْضِكُمْ) [الأعراف / ١١٠] ، ثمّ التقدير : فقال فرعون : بدليل قوله : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) [الأعراف / ١١١] ، وقول الشاعر [من الرجز] :
٨٣٨ ـ قالت له وهو بعيش ضنك |
|
لا تكثري لومي وخلّي عنك (٢) |
التقدير قالت له : أتذكر قولي لي ، إذا لومك في الإسراف في الإنفاق ، لا تكثري لومي ، فحذف المحكيّة بالمذكور ، وأثبت المحكية بالمحذوف.
وغير محكية ، وهي نوعان دالّة على المحكية كقولك : قال زيد لعمرو في حاتم : أتظنّ حاتما بخيلا ، فحذف المقول ، وهو حاتم بخيل مدلولا عليه بجملة الإنكار الّتي هي من كلامك (٣) دونه ، وغير دالّة عليها نحو : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس / ٦٥].
والثانية : أن يقع مفعولا في باب ظنّ وأعلم ، فتقع «مفعولا ثانيا لباب ظنّ» ، نحو : ظننت زيدا يقرأ ، فجملة يقرأ من الفعل وفاعله المستتر فيه في موضع نصب على أنّها المفعول الثاني لظنّ ، ووقوعها مفعولا في هذا الباب كوقوعها خبرا في باب كان ، و
__________________
(١) البيت للفرزدق. اللغة : جوّ سويقة : اسم موضع.
(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الضنك : الضيّق من كلّ شي (يستوي فيه المذكّر والمونث) ، خلّي : ابعدي عنّي.
(٣) من كلامك سقط في «ح».