قال ابن هشام : والصواب قول الجمهور ، إذ يصحّ أن يخبر عن الجملة بأنّها مقولة ، كما يخبر عن زيد من ضربت زيدا ، بأنّه مضروب بخلاف القرفصاء في المثال ، فلا يصحّ أن يخبر عنها ، بأنّها مقعودة ، لأنّها نفس القعود ، وأمّا تسمية النّحويّين الكلام قولا فكتسميتهم إيّاه لفظا ، وإنّما الحقيقة أنّه مقول وملفوظ ، انتهى.
تنبيهات : الأوّل : الأصل أن يحكى لفظ الجملة كما سمع ، ويجوز أن يحكى على المعنى باجماع ، فإذا قال زيد : عمرو منطلق ، فلك أن تقول : قال زيد : عمرو منطلق ، أو المنطلق عمرو ، فإن كانت الجملة ملحونة حكيت على المعنى بإجماع ، فتقول في قول زيد عمرو قائم بالجرّ ، قال زيد : عمرو قائم بالرفع. وهل تجوز الحكاية على اللفظ؟ قولان ، صحّح ابن عصفور المنع ، قال : لأنّهم إذا جوّزوا المعنى في المعربة فينبغي أن يلتزموه في الملحونة.
الثاني : إذا حكيت كلام متكلّم عن نفسه ، نحو : انطلقت ، فلك أن تحكيه بلفظه فتقول : قال فلان : انطلقت ، ولك أن تقول : قال فلان : انطلق ، أو إنّه انطلق ، أو هو منطلق.
الثالث : هل يلتحق بالقول في هذا الباب ما يرادفه كالدعاء والنداء وكلّ ما في معنى القول ، فإذا وقع بعد نادى ودعا ووصّي ونحوها جملة كقوله : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ... يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) [هود / ٤٢] ، (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) [يونس / ٢٢] ، (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَ) [البقرة / ١٣٢] ، فهل هي محكيّة بما قبلها من الأفعال إجراء لها مجرى القول ، أم نصبت بقول مقدّر؟ ذهب الكوفيّون إلى الأوّل والبصريّون إلى الثاني ، ويشهد لهم التصريح بالقول في نحو. (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود / ٤٥] ، ونحو : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا* قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم / ٤ و ٣].
الرابع : قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : من أحكام هذه الجملة المحكية أنّه لا يجوز نعت أسمائها ولا تأكيدها ولا العطف عليها ، لأنّ هذا كلّه يخرجها عن نفس الحكاية ، ويؤدّي إلى إيقاع النعت والتوكيد على غير معنى ، فيلبس أن ذلك داخل في الحكاية ، تقول لمن قال : زيد منطلق ، قال فلان : زيد منطلق ، ولا يجوز أن تقول : قال فلان : زيد الظريف منطلق ، ولا زيد نفسه منطلق ، ولا زيد وعمرو منطلقان ، لأنّ ذلك كلّه لم يقله المحكيّ عنه ، انتهى.