فإن قلت : هي إنّما تدلّ على طلب الكفّ عن الإقامة ، لأنّه موضوع للنهي ، وأمّا إظهار الكراهية المنهيّ فمن لوازمه ومتقضياته ، فدلالته عليه تكون بالالتزام دون المطابقة ، قلت : نعم ولكن صار قولنا : لا تقم عندي بحسب العرف حقيقة في إظهار كرامة إقامته وحضوره ، والتأكيد بالنون دالّ على كمال هذا المعنى ، فصار لا تقيمنّ عندنا دالّا على كمال إظهار الكراهة لإقامته بالمطابقة بخلاف الأولى ، قاله التفتازانيّ في شرح التلخيص.
ثمّ إنّما يصحّ التمثيل بهذا البيت للجملة الّتي لها محلّ بناء على قول علماء البيان من تمثيلهم به ، لأنّ الجملة الأولى محكيّة ، والثانية تابعة لها ، لكن قال ابن هشام : إذا قيل : قال زيد : عبد الله منطلق ، وعمرو مقيم ، فليست الجملة الأولى في محلّ نصب ، والثانية تابعة لها ، بل الجملتان معا في موضع نصب ، ولا محلّ لواحدة منهما ، لأنّ المقول مجموعها ، وكلّ منهما جزء للمقول كما أنّ جزئي الجملة الواحدة لا محلّ لواحد منهما باعتبار القول ، فتأمّله ، انتهى.
وهذا بعينه جار في البيت ، فإنّ مجموع الجملتين فيه ، وهما قوله : ارحل لا تقيمنّ عندنا ، هو المقول ، وكلّ واحد من الجملتين جزءه ، فلا يكون لها محلّ على مقتضي كلامه.
تنبيه : ما ذكره المصنّف من انحصار الجمل الّتى لها محلّ من الإعراب فى سبع جار على ما قرّروا ، كما قال ابن هشام فى المغنى ، والحقّ أنّها تسع ، والّذي أهملوه الجملة المستثناة. قال الدمامينيّ : لم يعترض للتنصيص عليها أحد قبل ابن خروف فيما أعلم ، فإنّه قال في قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ* إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ* فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) [الغاشية / ٢٣ و ٢٢ و ٢١] ، من مبتدأ ، ويعذّبه الله الخبر ، والجملة في محلّ نصب على الاستثنناء المنقطع ، انتهى.
والجملة المسند إليها نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة / ٦] ، إذا أعرب سواء خبرا وأنذرتهم مبتدأ. ونحو : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (١) ، إذا لم يقدّر الأصل أن تسمع ، بل قدّر تسمع قائما مقام السماع كما أنّ الجملة في نحو : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف / ٤٧] ، ونحو (أَأَنْذَرْتَهُمْ ،) وإن لم يكن معها حرف سابك.
وزاد الدمامينيّ عاشرة ، وهي الّتي تقع صلة لأل ، إمّا مع القول بأن ذلك لا يكون للضرورة مطلقا ، كما يقول الجمهور ، أو مع القول بأنّ ذلك يجوز في السعة قليلا إن
__________________
(١) المعيدي هو تصغير رجل منسوب إلى معد ، يضرب مثلا لمن خبره خير من مرآته. لسان العرب ٤ / ٣٧٤٣.