عمّا قبلها ، لا محلّ لها من الإعراب ، وليست محكيّة بالقول لفساد المعنى ، إذ قالوا : إنّ العزّة لله جميعا لم يحزنه ، وإنّما المحكيّ بالقول محذوف تقديره : إنّه مجنون أو شاعر أو نحو ذلك ، ومثلها قوله تعالى : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [يس / ٧٦].
وفي جمال القرّاء (١) للسخاويّ إنّ الوقف على قولهم في الاثنين واجب ، والصواب أنّه ليس في جميع القرآن وقف واجب ، نعم إن وصل وقصد بذلك تحريف المعنى أثم.
«وكذلك» أي كالمذكور من الجملة المنقطقة «جملة العامل الملغي لتأخّره» نحو : زيد قائم أظنّ ، «أمّا» جملة العامل «الملغى لتوسّطه» نحو : زيد أظنّ قائم ، «فجملة» لا محلّ لها من الإعراب أيضا إلا أنّها جملة «معترضة» لا منطقعه. والثاني أعني الّتي قطع تعلّقها عمّا قبلها معنى نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [العنكبوت / ١٩] ، منقطعة عمّا قبلها ، لأنّ الرابط المعنويّ مفقود ، إذ إعادة الخلق لم تقع بعد ، فيقرروا برؤيتها مع أنّ الرابط اللفظيّ موجود ، وهو حرف العطف.
تنبيهات : الأوّل : يخصّ البيانيون الاستئناف بما كان جوابا عن سؤال مقدّر ، نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [الذاريات / ٢٥ و ٢٤] ، فإنّ جملة القول الثانية جواب لسؤال مقدّر تقديره فما ذا قال لهم ، ولهذا فصّلت عن الأولى ، فلم تعطف عليها وفي قوله : (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الذاريات / ٢٥] جملتان ، حذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية ، إذ التقدير سلام عليكم ، أنتم قوم منكرون ، ومنه قوله [من الكامل] :
٨٦٣ ـ زعم العواذل أننّي في غمرة |
|
صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي (٢) |
فإنّ قوله : صدقوا جواب سؤال تقديره : أصدقوا أم كذبوا؟ ومثله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ) [النور / ٣٧ و ٣٦] فيمن بنى يسبّح للمفعول.
الثاني : قال ابن هشام : قد يحتمل اللفظ الاستئناف وغيره ، وهو نوعان : أحدهما إذا حمل على الاستئناف احتّى ج إلى تقدير جزء يكون معه كلاما نحو : زيد من قولك : نعم الرجل زيد ، والثاني ما لا يحتاج فيه إلى ذلك لكونه جملة تامّة ، وذلك كثير جدّا ، نحو الجملة المنفيّة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ
__________________
(١) جمال القرّاء وكمال الاقراء للشيخ علم الدين السخاويّ المتوفى سنة ٦٤٣ ه ، وهو كتاب لطيف في فنه ، جمع فيه أنواعا من الكتب المشتملة على ما يتعلق بالقراءات والتجويد والناسخ والمنسوخ والوقف والابتداء. كشف الظنون ١ / ٥٩٣.
(٢) لم يعيّن قائله. اللغة : العوذال : جمع عاذلة من العذل بمعنى اللوم ، وأراد بها الجماعة لا النساء العوذال بدليل قوله صدقوا ، الغمرة : الشدّة ، تنجلي : تنكشف.