وإن قصد تشبيهه بالمخبر به ، تعيّنت الغيبة اتّفاقا ، نحو : أنا في الشجاعة الّذي قتل مرحبا ، وأنت في الشجاعة الّذي قتل مرحبا ، يعني أمير المومنين عليا (ع) ، وذلك لأنّ المعنى على تقدير مثل ، ولو صرّح بها تعيّنت الغيبة ، وأوجب قوم الغيبة مطلقا ، وأوجبها قوم في السعة دون الضرورة ، وهما قولان واهيان يردّهما السماع.
وعلى الجواز بشرطه إن وجد ضميران ، جاز في أحدهما مراعاة اللفظ وفي الآخر المعنى قال [من الرجز] :
٨٩١ ـ نحن الّذين بايعوا محمّدا |
|
على الجهاد ما بقينا أبدا (١) |
وقال [من الطويل] :
٨٩٢ ـ أأنت الهلإلى الّذي كنت مرّة |
|
سمعنا به والأريحيّ الملقّب (٢) |
ومنع الكوفيّون الجمع بين الجملتين إذا لم يفصل بينهما ، نحو : أنا الّذي قمت وخرجت ، فلا يجوز عندهم : وخرج ، وأطلق البصريّون ، والسماع مع الكوفيّين إذا لم يرد إلا مع الفصل.
تنبيهات : الأوّل : زاد بعضهم على ما ذكر من الشروط في جملة الصلة أن لا تستدعي كلاما قبلها كجملة حتّى الّتي للغاية ، فلا يجوز : جاء الّذي حتّى أبوه قائم ، وجملة لكن الاستدراكيّة ، فلا يقال : جاء الّذي لكنّه قائم ، فإنّها لا تقع صلة (٣) ولا صفة ولا خبرا ولا حالا.
الثاني : قد يخلف الضمير المذكور اسم ظاهر ، فيقوم مقامه كقوله [من الطويل] :
٨٩٣ ـ سعاد الّتي أضناك حبّ سعادا |
|
وإعراضها عنك استمرّ وزادا (٤) |
أي حبّها.
وحكي أبو سعيد : الّذي رويت عن الخدريّ (٥) أي عنه. وقال الآخر [من الطويل] :
٨٩٤ ـ فيا ربّ ليلي أنت في كلّ موطن |
|
وأنت الّذي في رحمة الله أطمع (٦) |
أي في رحمته أو رحمتك. قال الفارسيّ : ومن الناس من لا يجيز هذا.
__________________
(١) لم يسمّ قائله.
(٢) مجهول قائله. اللغة : الأريحيّ : منسوب إلى الموضع الّذي بالشام ، أو بمعنى الواسع الخلق.
(٣) في «ح» سقط «صله».
(٤) لم ينسب إلى قائل معيّن. اللغة : أضناك : أورثك الضني ، وهو المرض الّذي كلمّا ظننت أنه برئ عاد ، الإعراض : الهجران والصدود.
(٥) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخرزجي كان من علماء الصحابة وممّن شهد بيعة الرضوان وروى حديثا كثيرا ، مات سنة ٧٤ ه. الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الهادي الدمشقيّ ، طبقات علماء الحديث ، تحقيق أكرم البرشي ، الطبعة الثالثة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ١٤١٧ ه ، ص ٩٨.
(٦) هو للمجنون.