والحقّ ما قدمناه أوّلا ، فإذا قلت : مررت بزيد ، فزيد متعلّق بالفعل بمعنى أنّه معمول له بحسب المحلّ ، إذ هو في محلّ نصب على معنى أنّ الفعل يقتضي نصبه لو كان متعدّيا كما يقال بدل مررت بزيد : جاوزت زيدا.
هذا إذا لم يصر الجارّ والمجرور عوضا عن العامل ، أمّا إذا صار عوضا منه فيحكم على محلّهما جمعا بإعراب هو إعراب العامل ، فيقال محلّ من الكرام في قولك : مررت برجل من الكرام جرّ ، وفي زيد من الكرام رفع ، وفي جاء زيد بثيابه نصب ، كذا حرّره الإمام الحديثيّ في شرح الحاجبية.
تنبيهات : الأوّل : إذا لم يكن شيء من الأربعة المذكورة الّتي يتعلّقان بها موجودا قدّر كقوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [الأعراف / ٧٣] ، بتقدير أرسلنا ، ولم يتقدّم ذكر الإرسال ، ولكن ذكر النبيّ والمرسل إليهم يدلّ على ذلك ، ومثله : (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ) [النمل / ١٢] ، ففي وإلى متعلّقان باذهب مقدّرا ، (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [البقرة / ٨٣] أي وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، مثل : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) [يوسف / ١٠٠] ، (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) [الأحقاف / ١٥] ، مثل : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً)(١) [العنكبوت / ٨] ومنه باء البسملة ، كما تقدّم.
الثاني : هل يتعلّقان بالفعل الناقص؟ من زعم أنّه لا يدلّ على الحدث منع من ذلك ، والصحيح أنّها كلّها دالّة عليه كما تقدّم ، والمشهور منع تعلّقهما بأحرف المعاني مطلقا ، وقيل بجوازه مطلقا ، وفصّل بعضهم ، وفقال : إن كان نائبا عن فعل حذف ، جاز على طريق النيابة لا الإصالة ، وإلا فلا ، وهو قول أبي على وأبي الفتح ، زعما في نحو : يا لزيد ، أنّ اللام متعلّقة بيا ، بل قالا في يا عبد الله : إنّ النصب بيا. وأمّا الّذين قالوا بالجواز مطلقا فقال بعضهم في قول كعب [من البسيط] :
٩٠٦ ـ وما سعاد غداة البين إذ رحلوا |
|
إلا أغنّ غضيض الطّرف مكحول (٢) |
غداة البين ظرف للنفي ، أي انتفي كونها في هذا الوقت إلا كأغن.
وقال ابن حاجب في : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) [الزخرف / ٣٩] ، إذ بدل من اليوم ، واليوم أمّا ظرف للنفع المنفي ، وأمّا لما في لن من معنى النفي ، أي انتفي في هذا اليوم النفع ، فالمنفيّ نفع مطلق ، وعلى الأوّل نفي مقيّد ، وقال أيضا : إذا قلت : ما ضربته للتأديب ، فإنّ قصدت نفي ضرب معلل ، فاللام متعلّقة بالفعل ، والمنفي ضرب
__________________
(١) سقطت هذه الأية في «ح».
(٢) البيت من قصيدة «بانت سعاد» لكعب بن زهير ، اللغة : الغداة : البكرة ، البين : الفراق ، أغنّ : صفة لمحذوف أي ظبي أغن من غنّ الظبي إذا خرج صوته من خياشيمه ، الغضيض : فعيل من غضّ طرفه إذ افتره وخفضه ، الطرف : العين ، محكول : مفعول من كحل عينه إذا زيّنها بالكحل.