تنبيهات : الأوّل : في المرفوع بعد المجرور والظرف في المواضع المذكورة ثلاثه مذاهب : أحدها : أنّ الأرجح كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو المجرور ، ويجوز كونه فاعلا ، وكان وجهه استضعاف عمل الظرف في الظاهر. والثاني : أنّ الأرجح كونه فاعلا ، اختاره ابن مالك ، ووجهه أنّ الأصل عدم التقديم والتأخير. والثالث : أنّه يجب كونه فاعلا ، نقله ابن هشام الخضراويّ عن الأكثرين ، ولعلّ وجهه ما تقرّر من أنّ الإلباس محذور ، والتعليق عندهم بفعل ، فهو كقولك : قام زيد ، فيتعيّن أن يكون زيد في مثل ذلك فاعلا لا مبتدأ (١).
الثاني : قال في المغني حيث أعرب فاعلا ، فهل عامله الفعل أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن استقرّ وقربهما من الفعل لاعتمادهما ، فيه خلاف ، فالمذهب المختار الثاني لامتناع تقديم الحال في نحو : زيد في الدار جالسا ، ولو كان العامل الفعل لم يمتنع كقوله [من الطويل] :
٩٠٩ ـ فإن يك جثماني بأرض سواكم |
|
فإنّ فؤادي عندك الدهر أجمع (٢) |
فأكّد الضمير المستتر في الظرف ، والضمير لا يستتر إلا في عامله ، ولا يصحّ أن يكون توكيدا لضمير محذوف مع الاستقرار ، لأنّ التوكيد والحذف تنافيان ، ولا لاسم إنّ على محلّه من الرفع بالابتداء ، لأنّ الطالب للمحلّ قد زال ، واختار ابن مالك المذهب الأوّل مع اعترافه بأنّ الضمير مستتر في الظرف ، وهذا تناقض ، فإنّ الضمير لا يستكن إلا في عامله ، انتهى. وقد جرى المصنّف على مذهب المختار كما ترى ، وهو مذهب المحقّقين كما قاله غير واحد.
الثالث : إذا لم يعتمد الظرف والمجرور على ما ذكر نحو : في الدار أو عندك زيد ، فالجمهور يوجبون الابتداء ، والأخفش والكوفيّون يجيزون الوجهين ، لأنّ الاعتماد عندهم ليس بشرط ، ويردّه جواز دخول إنّ ونحوها على مثل هذا التركيب ، فينتصب الاسم ، إذ يصحّ أن يقال : إنّ في الدار زيدا ، فدلّ ذلك على أنّه مبتدأ في الأصل لا فاعل ، وإلا لم يدخل الناسخ. قال بعضهم : وللأخفش أن يجيب بأنّي لمّا وجدت العامل الأقوي أعملته ، وهو أن ، وقال ابن جنيّ : للجمهور أن يقولوا لم نجد عاملين أعمل أوّلهما ألبتّة ، بل يجوز أن تعمل أيّهما شئت.
__________________
(١) فيما يتعلّق بالمرفوع بعد المجرور والظرف يبدو أنّ أقرب المذاهب إلى الصواب هو الّذي يقول : كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو المجرور ، لأنّ هذه الجملة اسميّة ، والاسم المرفوع بعد الظرف يرتفع بالابتداء ، لأنّه قد تعرّي من العوامل اللفظيّة ، وهو معنى الابتداء ، والمجرور والظرف متعلّقان بالمحذوف ، ولو قلنا : المرفوع فاعل على مذهب الكوفيّين فتقديره مثلا «حلّ في الدار زيد» ، وتقديم الظرف لا يدلّ على تقديم الفعل ، لأنّ الظرف معمول الفعل ، والفعل هو الخبر ، وتقديم معمول الخبر لا يدلّ على أنّ الأصل في الخبر التقديم.
(٢) نسب البيت إلى جميل بثينة وإلى كثير عزة. اللغة : الجثمان : الجسم ، الفؤاد : القلب.