المؤمنين علي (ع) وهو من الفصاحة : بحيث هو بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (١) ، انتهى.
قلت : وهذه الفقرة الّتي استشهد بها ، من خطبته الشقشقيه (ع) ، وكثير من المعاندين ينكر هذه الخطبة ، ويقول : إنّها من كلام السّيّد الرضي جامع نهج البلاغة ، وليست من كلام علي (ع) ، بل قال بعضهم : إنّ جميع نهج البلاغه وضعه السّيّد الرضيّ ، ونسبه إلى علي (ع) وأنّه ليس من كلامه ، ذكر ذلك ابن خلّكان في تاريخه ، وهذا لا يقوله إلا عنيد جاهل أو متجاهل ، فإنّ كثيرا من خطبه المذكورة في ذلك الكتاب بل جميعها مذكور في كتب السير ، ولكنّ المعاند يقول ما شاء.
وأمّا هذه الخطبة الشقشقية فقال ابن أبي الحديد في شرحه نقلا عن ابن الخشاب : إنّه قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنّفت قبل أن يخلق الرضيّ بمأتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة في كتب أعرفها ، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ ، ثمّ ذكر ابن أبي الحديد عن نفسه أنّه وجدها في تصانيف جماعة ذكرهم كانوا قبل أن يخلق الرضيّ (ره) (٢).
تنبيه : أصل بينا وبينما بين ، وأصله أن يكون مصدرا بمعنى الفراق ، تقول : بان عنّي زيد بينا ، أي فارقني فراقا ، ومعنى جلست بينكما ، أي مكان فراقكما ، وفعلت بين خروجك ودخولك ، فعلت زمان فراق خروجك ودخولك ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. فبين ـ كما تبيّن ـ مستعمل في الزمان والمكان ، وهو إذ ذاك لازم للإضافة إلى المفرد ، فلمّا قصدوا إضافته إلى الجملة ، والإضافه إليها كلا إضافة ، لأنّ الإضافة في المعنى ليست إليها بل إلى المصدر الّذي تضمّنته ، زادوا عليه ما الكافة ، لأنّها الّتي تكفّ المقتضى عن الاقتضاء ، واشبعوا الفتحة ، فتولّدت ألف ، لتكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه ، لأنّه كان قد وقف عليه ، والألف فد يؤتي به للوقف كما في أنا و: (الظُّنُونَا) [الأحزاب / ١٠] ، وتعيّن حينئذ أن لا يكون إلا للزمان لما تقرّر من أنّه لا يضاف إلى الجمل من المكان إلا حيث ، وبين في الحقيقة مضاف إلى زمان مضاف إلى الجملة ، فحذف الزمان المضاف لقيام القرينة عليه ، وهي غلبة إضافة الأزمنة إلى الجمل دون الأمكنة وغيرها ، فيتبادر الفهم في كلّ مضاف إليها إلى الزمان ، فإذا قلت : بينا زيد قائم أقبل عمرو ، فالتقدير بين أوقات زيد قائم ، أي بين أوقات قيام زيد أقبل عمرو ، هكذا قرّره الرضيّ ، وهو مذهب الفارسيّ وابن جني ، واختاره ابن الباذش.
__________________
(١) في نهج البلاغة بترجمة جعفر الشهيدي «فيا عجبا بينا هو ...» خطبة الشقشقية ، ص ١٠.
(٢) سقطت هذه الفقرة في «ح».