الثاني : أنّ الأصل فإذا هو موجود إيّاها ، فحذف الخبر لدلالة الكلام عليه ، ومثل هذا : لئن ضربته لتضربنه السّيّد الشريف ، أي لتضربنه كائنا السّيّد الشريف أو موجود السّيّد الشريف ، فينصبون السّيّد الشريف باضمار كائن ونحوه ، فإذا حملت النصب في إيّاها على هذا تخرج ، قاله محمد بن بريّ (١) ، ولا يخفى عليك بطلانه وبعده عن المقيس عليه.
الثالث : أنّ ضمير النصب استتر في مكان ضمير الرفع ، قاله ابن مالك ، وقال ابن هشام : ويشهد له قراءة الحسن البصري : إياك يعبد [الحمد / ٥] ، بالياء المثنّاة من تحت مبنيّا للمفعول ، ولكنّه لا يتأتّى فيما أجازوه من قولهم : فإذا عبد الله القائم بالنصب ، فينبغي أن يوجّه هذا على أنّه نعت مقطوع أو حال على زيادة آل ، وليس ذلك ممّا ينقاس ، ومن جوّز تعريف الحال ، أو زعم أنّ إذا تعمل عمل وجدت ، وأنّها رفعت عبد الله بناء على أنّ الظرف يعمل ، وإن لم يعتمد فقد أخطأ ، لأنّ وجد ينصب الاسمين ، ولأن مجيء الحال بلفظ المعرفة قليل ، وهو قابل للتأويل.
الرابع : أنّه على اسقاط الخافض ، والأصل فإذا هوكها ، أي فإذا الزنبور كالعقرب ، والكوفيّون يجوّزون إدخال الكاف على الضمير ، وسيبويه يختصّ ذلك بالضرورة ، فحذفت كاف التشبيه ، وانتصب الضمير على نزع الخافض ، وليس بشيء لما مرّ في بابه.
الخامس : أنّه مفعول به ، والأصل فإذا هو يساويها أو يشبهها ، ثمّ حذف الفعل ، وانفصل الضمير ، وهذا الوجه لابن مالك أيضا ، ونظيره قراءة علي (ع) (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف / ١٤] بالنصب أي نوجد ، أو نرى عصبة.
السادس : أنّه مفعول مطلق ، والأصل فإذا هو يلسع لسعتها ، ثمّ حذف الفعل كما تقول : ما زيد إلا شرب الإبل ، أي إلا يشرب شرب الإبل ، ثمّ حذف المضاف من لسعتها ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وانتصب لنيابته عن المنصوب ، وانفصل لفقد ما يتّصل به ، نقله الشلوبين في حواشي المفصّل عن الأعلم ، وقال : هو أشبه ما وجّه به النصب.
السابع : أنّ إيّاها كناية عن الجملة ، والتقدير فإذا هو لسعته كلسعتها ، فكنى عن الجملة بقوله : إيّاها ، وانتصاب إيّاها على الحال لكونها كناية عن الجملة ، والجملة
__________________
(١) عبد الله بن بريّ أبو محمد المقدسيّ المصريّ النحويّ اللغويّ ، كان عالما بالنحو واللغة والشواهد ، وصنّف : اللباب في الرّد على ابن الخشاب ، الرّد على الحريري على درّة الغواص ، كانت ولادته سنة ٤٩٩ ه ، ومات سنة ٥٨٢. المصدر السابق ٢ / ٣٤.