قوله وربّما نصبوا ، أي ربّما نصبوا على الحال بعد أن رفعوا ما بعد إذا على الخبريّة ، وقوله : ربما في آخر البيت بالتخفيف توكيد لربّما في أوّله بالتشديد ، وفي بعض النسخ وربّما رفعوا من بعدها ربما ، والمعنى أنّهم قد ينصبون ما بعد إذا قليلا ، يرفعونه كثيرا ، فيكون ربّما الأولى للتقليل ، والثانية للتكثير ، والثالثة للتوكيد ، وغما في آخر البيت الثالث من أبيات هذه المسالة بفتح الغين المعجمة كناية عن الاشكال والخفا ، وغممّا في آخر البيت الرابع بضمّها جمع غمّة.
وابن زياد : هو الفرّاء ، واسمه يحيى ، وابن حمزة : هو الكسائيّ ، واسمه علي ، وأبو بشر : سيبويه ، واسمه عمرو ، وألف ظلما ضمير الاثنين ، إن بنيته للفاعل ، وللاطلاق إن بنيته للمفعول ، وعمرو وعلى الأوّلان : سيبويه والكسائيّ ، والآخران عمرو بن العاص وأمير المؤمنين علي (ع) وحكما الأوّل اسم ، والثاني فعل ، أو بالعكس ، دفعا للايطاء (١) ، وزياد الأوّل : والد الفرّاء ، والثاني : زياد بن أبيه ، وابنه المشار إليه ابن مرجانة لعنه الله المرسل في قتلة الحسين (ع) ، وأضم كغضب وزنا ومعنى ، والوصف منه أضم كفرح.
تنبيهان : الأوّل : ما أجاب سيبويه سوال الكسائيّ ، وهو فإذا هو هي ، هو الحقّ ، وهو وجه الكلام مثل : (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) [الأعراف / ١٠٨] ، (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ) [طه / ٢٠] ، وأمّا فإذا هو إيّاها إن ثبت فخارج عن القياس واستعمال الفصحاء كالجزم بلن ، والنصب بلم والجرّ بلعلّ ، وسيبويه وأصحابه لا يلتفتون لمثل ذلك ، وإن تكلّم به بعض العرب ، وحكي الرضيّ أنّ الكسائيّ قال : لا يجوز إلا إيّاها ، وكذلك حكاه الأندلسيّ في شرح المفصّل ، والصواب ما حكيناه أوّلا من أنّه أجاز الوجهين ، فإنّ الكسائيّ لو أنكر الرفع فكان لسيبويه سبيل من تخطئته في الحال بما ورد في القرآن من الرفع ، وهو شائع فيه ، ولم ينقل ذلك ، فدلّ على أنّ الكسائيّ أجاز الرفع والنصب معا ، وقد ذكر في توجيه النصب أمور :
أحدها : أنّ إذا ظرف فيه معنى وجدت ورأيت ، فجاز له أن ينصب المفعول ، وهو مع ذلك ظرف مخبر به عن الاسم بعده ، قاله أبو بكر بن الخيّاط ، وهو خطأ ، لأنّ المعاني لا تنصب المفاعيل الصحيحة ، وإنّما تعمل في الظروف والأحوال ، ولأنّها تحتاج على زعمه إلى فاعل وإلى مفعول آخر.
__________________
(١) الإيطاء هو في علم العروض ، تكرار القافية لفظا ومعنى قبل سبعة أبيات أو عشرة ، وهو عيب من عيوبها. إميل بديع يعقوب وميشال عاصي ، المعجم المفصّل في اللغة والأدب المجلّد الأوّل ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ١٩٨٧ م ، ص ٢٧٥.