النُّورُ) [الرعد / ١٦] ، أي بل هل ، لا يفارقها هذا المعنى عند الجمهور (١) ، والأكثر اقتصارها مع ذلك استفهاما طلبيّا كقولهم : إنّها لأبل أم شاء ، التقدير : بل أهي شاء ، ومعناه أنّك رأيت أشباحا من بعده ، فقلت : إنّها لأبل على سبيل الجزم ، ثمّ حصل شكّ في ذلك ، فقلت : أم شاء بقصد الإضراب ، واستئناف سؤال عن الشاء ، أو استفهاما إنكاريّا نحو : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [الطور / ٣٩] ، أي بل أله البنات ، إذ لو قدّرت للإضراب المحض لزم المحال ، وهو الإخبار بنسبة البنات إليه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وقد لا تقتضيه ألبتّة ، فيكون للاضراب وحده كما مرّ.
ونقل ابن الشجري عن جميع البصريّين أنّ أم أبدا بمعنى بل والهمزة جميعا ، وأنّ الكوفيّين خالفوهم في ذلك ، قال : والّذي يظهر قولهم إذ المعنى في نحو : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) [الرعد / ١٦] ، ليس على الاستفهام ، ولأنّه يلزم البصريّين دعوي التأكيد في نحو : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد / ١٦] ، (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل / ٨٤] ، (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) [الملك / ٢٠].
ووقع للدمامينيّ أنّه أجاب عن الثاني آخذا من كلام السعد التفتازانيّ في حاشية الكشّاف بأنّ أم الداخلة على الاستفهام ليست متّصلة ولا منقطعة ، وردّه بعض الأئمة فقال له : إنّه لا سلف له في ذلك ، وأنّ النحاة متّفقون على أنّ أم لا تخرج عن القسمين ألبتّة.
تنبيهات : الأوّل : قضية كلام المصنّف أنّ بل المنقطعة عاطفة أيضا ، وهو قول ابن جنيّ ، وبه جزم ابن هشام في المغني ، والجمهور على أنّها حرف ابتداء ، وقد مرّ بيانه.
الثاني : قد ترد أم محتملة للاتّصال والانقطاع ، فمن ذلك قوله تعالى : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة / ٨٠] ، قال الزمخشريّ : يجوز في أم أن يكون بمعنى أيّ الأمرين كأين على سبيل التقدير لحصول العلم بكون أحدهما ، ويجوز أن تكون منقطعة.
الثالث : ذكر أبو زيد أنّ أم تقع زائدة ، وخرج عليه قوله تعالى : (أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ) [الزخرف / ٥٢ و ٥١] ، قال : التقدير أفلا تبصرون أنا خير. قال ابن هشام : والزيادة ظاهرة في قول ساعد بن جؤية (٢) [من البسيط] :
٩٤٦ ـ يا ليت شعري ولا منجي من الهرم |
|
أم هل على العيش بعد الشّيب من ندم (٣) |
__________________
(١) عند الجمهور سقط في «ح».
(٢) شاعر هذلي من محضرمي الجاهليه الإسلام.
(٣) اللغة : المنجى : النجاة والخلاص ، الهرم : اقصى الكبر ، الشيب : بياض الشعر.