والثاني : أن تكون «حرف تعريف» كأل ، «وهي لغة حمير» بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء المثنّاه من تحت ، وبعدها راء مهملة ، أبو قبيلة من اليمن ، وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ، واسم سبأ عبد شمس ، وسبأ لقب له ، وهو يجمع قبائل اليمن عامّة ، والظاهر أنّ المراد بالحمير هنا الجميع على سبيل التغليب ، ونقلت هذه اللغة عن طىّ أيضا ، وهو أبو قبيلة أخرى من اليمن ، وهو طيّ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير. ووقع لبعض الأدباء الغرّ : وهذه اللغة لتميم ، وهو سهو محض فاحذره.
قال ابن مالك : لما كانت اللام تدغم في أربعة عشر حرفا ، فيصير المعرّف بها كأنّه من المضاعف العين الّذي فاؤه همزة ، جعل أهل اليمن ومن داناهم بدلها ميما ، لأنّ الميم لا تدغم إلا في ميم ، انتهى. وأنشدوا على هذه اللغة [من المنسرخ] :
٩٤٧ ـ ذاك خليلي وذو يواصلني |
|
يرمي ورائي بامسهم وامسلمه (١) |
وفي الحديث : ليس من امبرّ امصيام في امسفر (٢) ، كذا رواه النصر بن تولب. وقال بعضهم : إنّ هذه اللغة مختصّة بالأسماء الّتي لا تدغم لام التعريف في أوّلها ، نحو : غلام وكتاب ، بخلاف رجل وناس ولباس ، وحكي لنا بعض طلبة اليمن أنّه سمع في بلادهم من يقول : خذ الرمح واركب امفرس ، ولعلّ ذلك لغة لبعضهم ، لا لجميعهم ، ألا ترى إلى البيت السابق ، وأنّها في الحديث دخلت على نوعين ، انتهى.
قلت : وأقمت في اليمن أربعة عشر شهرا ، فلم أر من يفرق بين الأسماء الّتي تدغم في أوّلها لام التعريف وبين غيرها ، بل كلّهم يبدل اللام ميما في جميع الأسماء فيقول : امرجل ، كما يقول : امغلام.
تنبيهات : الأوّل : قال الأندلسيّ وابن يعيش : الراوية في البيت بالسهم بتشديد السين وإدغام اللام فيها وامسلمة بالميم الساكنة بعد الواو نقله عنهما في الفتح القريب (٣) وأقرّه.
الثاني : قال الأزهريّ : الوجه أن لا تثبت الألف في الكتابة : لأنّها ميم جعلت كالالف واللام ، ونقله عنه في الفتح أيضا ، وفيه مخالفة لظاهر كلامهم.
__________________
(١) البيت لبجير بن غنمة الطائي ، وهو جاهليّ مقلّ. اللغة : بأمسهم : أراد بالسهم ، وامسلمة : أراد السلمة ، الواحدة من السلم ، وهي الحجارة الصلبة.
(٢) صحيح البخاري ٣ / ٨١ رقم ٢٠٢.
(٣) الفتح القريب في حواشي مغني اللبيب ، شرح للشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطيّ على شواهد المغني. كشف الظنون / ١٧٥٣.