شرطين ، قال : واضطرب قول أبى علي ، فمرّة قال : لا يفصل بين أمّا والفاء إلا بمفرد ، فالجواب المذكور لإن ، وجواب أمّا محذوف ، وهذا لا يصحّ ، لأنّه متى اجتمع طالبا جواب ، كان الجواب للأوّل منهما ، ومرّة قال بقول سيبويه ، وقال : الجملة إذا لم تستقلّ صارت بمترلة مفرد ، قال : وهذا هو الصحيح. فإذن في المسالة ثلاثة مذاهب : مذهب سيبويه ، ومذهب الأخفش ، مذهب أبي علي في أحد قوليه.
«وقد تفارق» أمّا «التفضيل» فتأتى مجرّدة عنه ، فتكون للاستئناف ، وهذا غير الغائب الّذى فهم من قوله : إنّها حرف تفضيل غالبا «كأمّا الواقعة في أوائل الكتب» والخطب ، وهى المفصول بينها وبين فائها ب بعد مقطوعا عن الإضافة غالبا ، نحو : أمّا بعد فكذا ، واختلف في أوّل من قالها ، فقيل : داود على نبينا وآله وعليه السّلام ، وقيل : يعرب بن قحطان ، وقيل : قس بن ساعدة ، وقيل : سحبان بن وائل ، وهو المشهور ، وهو القائل [من الطويل] :
٩٥٠ ـ لقد علم الحىّ اليمانون أنّنى |
|
إذا قلت أمّا بعد إنّي خطيبها |
قال الرضىّ : وقد التزم بعضهم لزوم التفضيل في أمّا وجواز السكوت على قولك : أمّا زيد فقائم ، يدفع دعوى لزوم التفضيل ، وفي حواشى التسهيل لابن هشام : والظاهر أنّ أمّا زيد فقائم ، لا يقال إلا إذا وقع تردّد في شخصين نسباهما أو أحدهما إلى ذلك ، فهي على هذا التفضيل أي ، وأمّا غيره فليس كذلك ، وهذا مقتضى إطلاق المصنّف ، يعنى ابن مالك وغيره أنّها للتفضيل ، نعم الذى هو غير لازم التكرار ، انتهى.
والحق ما ذهب إليه المصنّف ، وعليه جماعة من المحقّقين ، أنّها للتفضيل غالبا ، وقد تفارقه ، إذ لا معنى لتقدير تكرارها مع أمّا الواقعة في أوائل الكتب.
تنبيه : قد تحذف أمّا لكثرة الاستعمال ، نحو قوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدّثر / ٤ و ٣ و ٢] ، (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) [ص / ٥٧] ، (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس / ٥٨]. وإنّما يطّرد ذلك إذا كان ما بعد الفاء أمرا أو نهيا ، وما قبلها منصوبا به أو بمفسّر به ، فلا يقال : زيدا فضربت ، ولا زيدا فضربته ، بتقدير أمّا ، وأمّا قولك : وزيد فوجد ، فالفاء زائدة ، وإنّما جاز تقدير أمّا بالقيد المذكور ، لأنّ الأمر لإلزام الفعل لفاعله ، والنهي لإلزام ترك الفعل لفاعله ، فناسبا إلزام الفعل وتركه للمفعول ، وذلك بأن تقدّر أمّا قبل المنصوب ، وتدخل فائها على الأمر والنهي ، فإنّ ما قبل أمّا ملزوم لما بعدها ، قاله الرضيّ.