يتعلّق به من الجملة الواقعة بعد الفاء ، والغرض من التقديم الدلالة على أنّه هو النوع المراد تفضيل جنسه ، وكان قياسه أن يقع مرفوعا على الابتداء ، لأنّ الغرض الحكم عليه بحسب ما بعد الفاء ، لكنّهم خالفوا الابتداء إيذانا من أوّل الأمر بأنّ تفصيله باعتبار الصفة الّتي هو عليها في الجملة الواقعة بعد الفاء من كونه مفعولا به أو ظرفا أو مصدرا أو غير ذلك ، ألا ترى أنّك تفرق بين يوم الجمعة من قولك : يوم الجمعة ضربت فيه ، وقولك : ضربت في يوم الجمعة ، وإن كان في الموضعين مضروبا فيه ، إلا أنّه ذكر في الأوّل ليدلّ على أنّه حكم عليه ، ولمّا كان الحكم بوقوع الضرب فيه علم أنّ الضرب واقع فيه ، وفي الثانى ذكر ليدلّ على أنّه الذى وقع الضرب فيه من أوّل الأمر.
فلمّا كان كذلك قصد أن يكون الواقع بعد أمّا من أوّل الأمر على حسب ما هو عليه في جملته ، ولزم أن يكون على معناه وإعرابه الّذى كان له ، وبطل القول بكونه معمول الفعل المحذوف مطلقا ، أو بشرط أن لا يكون هناك مانع ، وتبيّن وجه ما قيل : إنّ لأمّا خاصّة في تصحيح التقديم لما يمتنع تقديمه ، وحاصله التنبيه على أنّ الواقع بعدها هو المقصود بالتفضيل والتخصيص من بين ما في الجملة الواقعة بعد الفاء.
تنبيه : قد يقع بعد أمّا جملة شرطيّة بعدها جواب مقرون بالفاء كقوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقعة / ٨٩ و ٨٨] ، واختلف في هذا الجواب لأىّ الأداتين هو ، قال أبو حيان : الصحيح أنّه جواب أمّا ، وأداة الشرط جوابها محذوف لدلالة جواب أمّا عليه ، ولذلك لزم أن يكون فعل الشرط بعد إن ماضيا ، ولا يلزم مضيّه إلا عند حذف الجواب ، كأنّه قيل : مهما يكن من شيء فروح ، إن كان من المقرّبين ، فالفاء جواب الشرط الذى تقدّم ، وجواب إن محذوف ، وهذا مذهب سيبويه.
قال الرضىّ : والدليل على أنّه ليس جواب إن عدم جواز أمّا إن جئتنى أكرمك بالجزم ، ووجوب أمّا إن جئتنى فأكرمك ، مع أنّ نحو : إن ضربتنى أكرمك بالجزم أكثر من نحو : إن ضربتني فاكرمك ، انتهى.
وزعم الأخفش أنّ الجواب المذكور لأمّا وإن معا ، فالأصل عنده مهما يكن من شيء فإن كان من المقرّبين فروح ، ثمّ أنيب أمّا مناب مهما والفعل الذى بعدها ، فصار أمّا إن كان من المقرّبين فروح ، ثمّ قدّمت إن والفعل الّذى بعدها على الفاء ، فصار أمّا إن كان من المقرّبين ، فالتقت الفاءان ، فأغنت إحدهما عن الأخرى فصار فروح ، وقال أبو حيان : كلّها تقادير عجيبه ، ومع ذلك هى باطلة.
وقد أبطل أبو على ظاهر كلام الأخفش بأنّا لم نجد ألفا تكون جوابا لشيئين ، وتأوّل كلامه بأنّها لما كانت لأحدهما ، وأغنت عن الثاني ، صارت كأنّهما جواب