بأنّه لو كان كذلك لجاز النصب في الأوّل بتقدير يحصل أو يذكر بالبناء للفاعل ، والرفع في الثانى بتقدير يحصل أو يذكر بالبناء للمفعول ، ولم يجز اتّفاقا.
وأمّا ما سمع من قول بعضهم : أمّا العبيد فذو عبيد ، وأمّا قريشا فإنّا أفضلها بالنصب في الموضعين ، فقال سيبويه : هى لغة خبيثة قليلة ، قال : ومع ذلك فلا يجوز هذا النصب الضعيف في المعرّف ، إلا إذا كان غير معيّن ، ليكون في موضع الحال كما في الجماء الغفير ، وأمّا إذا أردت بالعبيد عبيدا معينة ، فلا يجوز فيه إلا الرفع ، كما في قولك : أمّا البصرة فلا بصرة لك ، أمّا أبوك فلا أبا لك.
وما وقع لابن هشام في المغنى من قوله : وفي ذلك دليل على أنّه لا يلزم أن يقدّر مهما يكن من شيء ، بل يقدّر غيره ممّا يليق بالمحلّ ، إذ التقدير هاهنا مهما ذكرت فليس بشيء ، لأنّ هذا المسموع الّذي استند إليه لغة خبيثة بنصّ سيبويه ، فكيف يبنى عليه جواز التراكيب العربية ، هذا مع أنّها محتملة للتخريج على خلاف ما ادّعاه.
واستشكل الرضيّ مذهب سيبويه في نصبه على الحال ، وقال : بل هو مفعول به لما بعد الفاء ، لأنّ معنى ذو عبيد أي تملكهم ، وذلك كما روى الكسائىّ أمّا قريشا فإنّا أفضلهم ، أى أغلبهم فى الفضل.
القول الثالث : أنّه لم يكن ما بعد الفاء ما يمنع التقديم ، فهو جزء ممّا في حيّز جزائها ، نحو : أمّا يوم الجمعة فأنا مسافر ، وإن كان نحو : أمّا اليوم فإنّي جالس ، فهو معمول للفعل المحذوف ، لأنّ أن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، هذا قول سيبويه والمازنىّ والجمهور.
وردّ بأنّ الفاء للجزاء ، وهى مانعة من عمل ما بعدها في ما قبلها ، فالباب كلّه من هذا القبيل ، فلا معنى للتفضيل ، ولا يخفى أنّهم لا يخالفون في أنّ ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها ، لكنّهم أجازوه مع الفاء هنا دون غيرها من الموانع لما قاله سيبويه : إنّ ما جاز عمله بعد حذف أمّا والفاعل فيما قبل وإلا فلا ، ألا ترى أنّك لو حذفت أمّا والفاء في قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى / ٩] ، وقلت : اليتيم فلا تقهر ، لكان جائزا بخلاف نحو : أمّا زيدا فإنّي ضارب ، إذ لو حذفت أمّا والفاء وقلت : زيدا أنّى ضارب لم يجز ، لأنّه لا يجوز تقديم معمول خبر أنّ عليها ، وكذا لا يجوز أمّا درهما فعندي عشرون ، إذ المميّز لا يعمل فيما قبله.
قال ابن الحاجب : والصحيح من هذه الأقوال الثلاثة هو الأوّل ، وهو أنّ الواقع بعد أمّا والفاء جزء من الجملة الواقعة بعد الفاء ، قدّم عليها لغرض العوضيّة ، وذلك لأنّ وضعها لتفضيل الأنواع ، وما ذكر بعدها أحد الأنواع المتعدّدة ، وذكره باعتبار ما