أمّا كونه في معنى الشرط فظاهر ، وأمّا وجه التوكيد فإنّه بمترلة التعليق بوجود شيء ما ، لأنّ معنى مهما يكن من شيء أن يقع هذا أو ذاك إلى ما لا يحصى ، وما دامت الدنيا باقية ، فلا بدّ من وقوع شيء فيها ، فيكون المعنى أنّ ذهاب زيد ثابت ألبتّة وعلى كلّ حال. قال الرضيّ : وليس مراد سيبويه من تفسير أمّا بمهما أنّها بمعناها ، وكيف وأمّا حرف ، ومهما اسم ، بل قصده إلى معنى البحت ، وأمّا بمعنى أنّ ، وأصل أمّا زيد فقائم ، أمّا يكن من شيء فزيد قائم ، أي إن يقع شيء في الدنيا يقع قيام زيد ، انتهى.
والتزموا حذف فعل أمّا الّذي هو الشرط لجريه على طريقة واحدة ، وهو يكن أو نحوه ، كما التزموا حذف متعلّق الظرف إذا وقع خبرا مثلا ، وللتنبيه على أنّ المقصود بأمّا حكم الاسم الواقع بعدها لا الفعل.
«وعوّض» ما «بينهما» أي بين أمّا والفاء اللازمة لما بعدها «عن فعلها» المحذوف لزوما «جزء ممّا في حيّزها» ، أي حيّز أمّا كراهة دخول حرف الشرط على فاء الجواب ، ونبّه بقوله : جزء على أنّه لا يعوّض أكثر من واحد لارتفاع الاستكراه بواحد.
«وفيه» أي في الجزء والمذكور «أقوال» ثلاثة.
أحدها : أنّه جزء من جزائها الواقع بعد الفاء ، وهو إمّا مبتدأ نحو : أمّا زيد فمنطلق ، وإمّا معمول لما وقع بعد الفاء ، سواء كان ما بعدها ما يمنع التقديم مع قطع النظر عن الفاء ، نحو : أمّا زيدا فإنّي ضارب أو لم يكن ، نحو : أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق ، وذلك لأنّ لأمّا خاصّة في تصحيح التقديم لما يمتنع تقديمه ، وهذا القول عزاه بعضهم لسيبويه وليس بقوله ، وأنّما هو قول المبرّد وابن درستويه والفرّاء ، واختاره ابن الحاجب وابن مالك.
قال أبو حيان : قد رجع المبرّد عن هذا القول إلى قول سيبويه فيما حكاه ابن ولّاد (١) عنه ، قال الزجاجّ : رجوعه مكتوب عندى بخطّه ، فإن قلت : هذا القول لا تشمله عبارة المصنّف ، لأنّ ما وقع عوضا بين أمّا والفاء على هذا القول جزء ممّا في حيّز الجزاء لا ممّا في حيّز أمّا نفسها ، قلت : ما في حيّز الجزاء في حيّز أمّا أيضا.
الثانى : أنّه معمول الفعل المحذوف مطلقا ، أى سواء كان ما بعد الفاء ما يمنع التقديم ، أو لم يكن ، إذ العمل للمحذوف المقدّر في محلّه ، ولا عمل لما بعد الفاء ، فلا أثر لكونه ممّا يمنع التقديم أولا ، فإذا قلت : أمّا زيد فمنطلق ، فالتقدير مهما يذكر زيد فهو منطلق ، وإذا قلت : أمّا يوم الجمعة فزيد منطلق ، فالتقدير مهما تذكر يوم الجمعة فزيد منطلق ، وردّ
__________________
(١) أحمد بن محمد بن ولاد النحوىّ ، كان بصيرا بالنحو أستاذا ، صنّف المقصور والممدود ، مات سنة ٣٣٢ ه. بغية الوعاة ١ / ٣٨٦.