«وفيها» أي في مفهوم أمّا «معنى الشرط للزوم الفاء» بعدها كما مرّ ، ولا جائز أن تكون الفاء للعطف لدخولها على الخبر ، ولا يعطف الخبر على مبتدائه ولا زائدة ، إذ لا يصحّ الاستغناء عنها ، فتعيّن أنّها فاء الجزاء. وقال أبو حيّان : هذه الفاء جاءت في اللفظ خارجة عن قياسها ، لأنّها لم تجئ رابطة بين جملتين ولا عاطفة مفردا على مثله ، والتعليل بكون أمّا في معنى الشرط ليس بجيّد ، لأنّ معنى أمّا كما قالوا مهما يكن من شيء ، وجواب مهما يكن من شيء لا يلزم فيه الفاء ، إذا كان صالحا لأداة الشرط ، والفاء لازمة بعد أمّا ، سواء كان ما دخلت عليه صالحا لها أم لم يكن ، ألا ترى أنّه يقال : مهما يكن من شيء لم أبال به ، ويمتنع ذلك في أمّا ، ويجب ذكر الفاء ، فدلّ على لزوم الفاء ليس لأجل ذلك ، انتهى.
وقد تحذف الفاء للضرورة كقوله [من الطويل] :
٩٤٩ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
ولكنّ سيرا في عراض المواكب (١) |
ويجوز حذفها في سعة الكلام إذا كان هناك قول محذوف كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران / ١٠٦] ، الأصل فيقال : لهم أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف ، وربّ شيء يصحّ تبعا ، ولا يصحّ استقلالا ، هذا قول الجمهور ، قال ابن هشام : وزعم بعض المتأخّرين أنّ فاء جواب أمّا لا تحذف في غير الضرورة أصلا ، وأنّ الجواب في الآية : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) [آل عمران / ١٠٦] ، والأصل فيقال لهم : ذوقوا ، فحذف القول ، وانتقلت الفاء للمقول ، وإنّ ما بينهما اعتراض ، وكذا قال في الآية الجاثية : (أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) [الجاثية / ٣١] ، قال : أصله فيقال : ألم تكن آياتي ، ثمّ حذف القول ، وتأخّرت الفاء عن الهمزة.
تنبيه : لم يذكر المصنّف معنى التوكيد لأمّا ، وقلّ من ذكره ، وقد أثبته جماعة من المتأخّرين ، وأحسن من قرّره الزمخشريّ ، فإنّه قال : فائدة أمّا في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك ، وأنّه لا محالة ذاهب ، وأنّه بصدد الذهاب ، وأنّه منه عزيمة ، قلت : أمّا زيد فذاهب ، ولذلك قال سيبويه في تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، هذا التفسير مدلّ بفائدتين : بيان كونه توكيدا ، وأنّه في معنى الشرط ، انتهى.
__________________
(١) هو للحارث بن خالد المخزومي ، اللغة : العراض : جمع عرض بمعنى الناحية ، المواكب : جمع موكب ، بمعنى الجماعة ركبانا أو مشاة.