قوله : «أقوى أو أضعف» صفتان لجزء ، أي أقوى من سائر أجزاء المعطوف عليه نحو : مات الناس حتّى الانبياء ، أو أضعف منه ، نحو : قدم الحاجّ حتّى المشاة ، وقد اجتمعا فى قوله [من الطويل] :
٩٦٩ ـ قهرناكم حتّى الكماة فكلّكم |
|
يحاذرنا حتّى بنونا الأصاغر (١) |
قال ابن يعيش : إذا قلت : ضربت القوم حتّى زيدا ، فلا بدّ أن يكون زيدا أرفعهم أو أدناهم ، ليدلّ بذكره على أنّ الضرب قد انتهى إلى الرفعاء أو الرضعاء ، فإن لم يكن زيد بهذه الصفة لم يكن لذكره فائدة ، إذ كان قولك : ضربت القوم يشتمل على زيد وعمرو وغيرهما ، فلمّا كان ذكر زيد يفيد ما ذكرناه ، وجب أن يكون داخلا في حكم ما قبله وأن يكون بعضا لما قبله ، فيستدلّ بذكره على أنّ الفعل قد عمّ الجميع ، ولذلك لا تقول : ضربت الرجال حتّى النساء ، لأنّ النساء لسن من الرجال ، ولا يتوهّم دخولهنّ ، وإنّما يذكر بعد حتّى ما يشتمل عليه الأوّل ، ويجوز أن لا يقع عليه الفعل لرفعته أو دنائته ، فبيّن بحتّى أنّ الأمر قد انتهى إليه.
«بمهلة ذهنيّة» متعلّق بعاطفة ، أى بحسب الذهن لا بحسب الخارج كما فى ثمّ ، إذ المناسب بحسب الذهن في نحو : مات الناس حتّى الأنبياء ، أن يتعلّق الموت أوّلا بغير الأنبياء ، ويتعلّق بعد التعلّق بهم بالأنبياء ، وإن كان موت الأنبياء بحسب الخارج فى أثناء سائر الناس ، وهكذا المناسب في الذهن تقدّم قدوم ركبان الحاجّ على رحالتهم ، وإن كان فى بعض الأوقات على عكس ذلك ، ومع هذا يصحّ أن يقال : قدم الحاجّ حتّى المشاة ، وظهر بذلك أنّه لا يعتبر فيها الترتيب الخارجىّ أيضا ، بل المعتبر فيها ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا من الأضعف إلى الأقوى أو بالعكس.
وذهب جماعة منهم ابن الحاجب والزمخشرىّ [إلى] أنّها تفيد الترتيب والمهلة كثمّ ، قال ابن مالك : هى دعوى بلا دليل ، ففي الحديث : كلّ شيء بقضاء وقدر حتّى العجز والكيس (٢) ، ليس في القضاء ترتيب ، وإنّما الترتيب في ظهور المقتضيات ، وقال الشاعر [من الطويل] :
٩٧٠ ـ لقومى حتّى الأقدمون ... |
|
... (٣) |
فعطف الأقدمون ، وهم سابقون.
__________________
(١) لم يذكر قائله ، اللغة : قهر : غلب ، الكماة : جمع كمى ، الشجاع المقدام الجرئ ، الأصاغر : جمع أصغر.
(٢) روي كل شيء بقدر ... ، الموطّأ ، ٢ / ٤٠٠ ، رقم ١٧٠٩.
(٣) تمامه : تمالأوا على كلّ أمر يورث المجد والحمدا» ، وهو مجهول القائل. اللغة : تمالأوا : اجتمعوا وتعاونوا.