الله (١) كاين تقرأ سورة الاحزاب؟ فقال عبد الله : ثالثا أو سبعين آية ، فقال : قطّ ، أي ما كانت كذا قطّ.
قال في القاموس وفي موضع من البخاريّ : جاء بعد المثبت منها في الكسوف ، أطول صلاة صلّيتها قطّ ، وفي سنن أبي داود ، توضّأ ثلاثا قطّ ، وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة ، قال : وهي ممّا خفى على كثير من النحويّين ، انتهى. والجمهور على أنّ كلّ ذلك نادر ، لا يقاس عليه.
«وفيها» أي وفي قطّ الّتي ترد ظرفا لاستغراق الماضي «خمس لغات».
إحداها : قطّ ، بفتح القاف وتشديد الطّاء مضمومة ، وهي أفصحها وأشهرها ، قال ابن السّيّد واشتقاقها من قولك : قططت الشيء ، إذا قطعته ، فإذا قال المتكلّم : ما رأيته قطّ ، فقد قطع عن هذا ، وفصل فيه ، انتهى. وقال في المغني : معنى ما فعلته قطّ ، ما فعلته فيما انقطع من عمري ، لأنّ الماضي منقطع عن الحال والاستقبال.
الثانية : قطّ ، بفتح القاء وتشديد الطاء مكسورة على أصل التقاء الساكنين.
الثالثة : قطّ بضمّ القاف اتّباعا لضمّة الطاء المشدّدة.
الرابعة : قطّ بفتح القاف وتخفيف الطاء مضمومة ، حذفت الطاء الأولى الساكنة ، فبقيت المضمومة.
الخامسة : قط بفتح القاف وسكون الطاء مبالغة في التخفيف ، حذفت الثانية ، فبقيت الأولى الساكنة ، وهي مبنيّة بجميع لغاتها ، قيل : لتضمّنها معنى مذ وإلى ، إذ معنى ما فعلته قط ، مذ أن خلقت إلى الأن ، وقيل : لشبه الحرف في إبهامه لوقوعها على كلّ ما تقدّم من الزمان ، وقيل : لأنّها اشبهت الفعل الماضي ، لأنّها لزمانه ، وبنيت في الأشهر على حركة ، لئلّا يلتقى ساكنان ، وكانت ضمّه تشبيها بقبل وبعد ، أو لأنّه لو فتحت لتوهّم النصب بمقتضى الظرفية ، ولو كسرت لتوهّم الجرّ بمذ المتضمّنة معناها.
«ولا تجامع» فعلا «مستقبلا» ، وأمّا قول العامّة لا أفعله قطّ فلحن ، ولا يلتفت إليهم ، لأنّ استعمالها مع نفي الفعل الماضي قد ثبت عند أهل اللغة ، ولم يثبت مع نفي المضارع عندهم ، ويكفي في ذلك استقراء كلامهم وكتبهم ، ولا يقال : لا يلزم أن يكون خطأ لجواز أن يكون مجازا ، وعدم نقل هذا الاستعمال عن أئمة اللغة لا يمنعه لجواز أن يوجد مع عدم نقله عنهم ، لأنّا نقول : قد ثبت أنّ استعمالها الثاني قول العامّة ، وهو يلحق بأصوات الحيوانات عند أهل البلاغة ، فلا يعتبر أصلا حقيقة أو مجازا ، ولهذا لا يستدلّ بأقوالهم.
__________________
(١) ليس من الواضح من هو قصده.