قال التفتازانيّ : وكأنّه جزاء شرط محذوف ، وقدّره في نحو : اضرب زيدا فقط ، إذا ضربت زيدا فانته عن ضرب غيره ، قال : وإنّما قدّرنا الشرط تصحيحا للفاء ، انتهى.
وعلى هذا فالتقدير في نحو : قام زيدا فقط ، إذا علمت قيام زيد ، فانته عن طلب الحكم بقيام غيره. وقضية كلامه في شرح التخليص وكلام المصنّف هنا أنّما تجيء بدون الفاء ، لكنّه قليل ، وصرّح واحد من النحويّين أنّ قطّ في المثال المذكور بمعنى حسب المقطوعة عن الإضافة ، فالمعنى فيه قام زيد لا غير ، وهو الظاهر لقيام حسب مقامها من غير تكلّف.
قال ابن هشام في حواشى التسهيل : ولم يسمع ، يعنى قطّ في نحو المثال المذكور إلا مقرونا بالفاء ، وهي زائدة لازمة عندي ، قال : وكذا أقول في قولهم فحسب : إنّ الفاء زائدة ، انتهى.
قال الدمامينيّ : ولا ينبغى ارتكاب الزيادة ما وجد عنه مندوحة ، وقد قال ابن السيّد في كتاب المسائل : قطّ مفتوحة القاف ساكنة الطاء بمعنى الاكتفاء بالشيء والاجتزاء به هى عند البصريّين مضافة إلى ما بعدها ، كما تضاف حسب في قولك : حسبك درهم ، وفيها معنى القطع كالّتي في ظرف ، والكوفيّون يجيزون ما بعدها النصب ، فيجيزون قطّ عبد الله درهم ، ويقولون : معناه كفى عبد الله درهم ، أو يكفيه ، ولا يعرف ذلك البصريّون ، وقطّ هذه تستعمل بعد الإيجاب والنفي كقولك : أخذت درهما فقط ، وما أخذت درهما فقط ، وهذه هي الّتي تأتي معها الفاء ، لأنّ معنى أخذت درهما فقط ، أخذت درهما فاكتفيت به (١) ، انتهى. قال : فجعل الفاء عاطفة لا زائدة ، كما قال ابن هشام ، ولا جزائية كما قال التفتازانيّ ، والظاهر أنّه خير من قوليهما جميعا ، انتهى ، فتأمّل.
الثاني : أن تكون «ظرفا لاستغراق الماضي» ، أي لاستغراق جميع ما مضى من الأزمنة الماضية حال كون الماضي «منفيّا» ، نحو : ما رأيته قطّ ، أي في جميع الأزمنة الماضية. ونصّ ابن مالك في التسهيل والرضي في شرح الكافية على أنّه يستعمل دون نفي تارة معنى ولفظا وتارة لفظا لا معنى ، فالأوّل كقول بعض الصحابة (ره) قصرنا الصلاة مع رسول الله (ص) ونحن أكثر ما كنّا قط وآمنه. والثاني كما في الحديث أيضا أنّ أبيّا (٢) قال لعبد
__________________
(١) من وهذه هي الّتي حتّى هنا سقط في «ط».
(٢) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد ، صحابيّ أنصاريّ ، من كتّاب الوحي ، أمره عثمان بجمع القرآن ، له ١٦٤ حديثا ، مات بالمدينة سنة ٢١ ه. الأعلام للزركلي ١ / ٨٢.