تعالى : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) [النور / ١٣] (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) [الأحقاف / ٢٨] ، ومنه (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) [النور / ١٦] ، إلا أنّ الفعل أخّر ، والأصل لو لا قلتم إذ سمعتموه ، وقد يكون الفعل مضمرا مدلولا عليه ممّا بعده ، نحو : لولا زيدا أكرمته ، أو بما قبله كقوله [من الطويل] :
١٠٣١ ـ تعدّون عقر النّيب أفصل مجدكم |
|
بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّنعا (١) |
أى لو لا عددتم ، قال ابن هشام : وقول النحويّين : لولا تعدّون ، مردود ، إذ لم يرد أن يحضّهم على أن يعدّوا في المستقبل ، بل المراد توبيخهم على ترك عدّه في الماضي ، وإنّما قال : تعدّون ، على حكاية الحال ، فإن كان مراد النحويّين مثل ذلك فحسن.
الثالث : أن تكون «للتحضيض» بمهملة ومعجمتين ، «والعرض» بفتح العين وإسكان الراء المهتملين ، والفرق بينهما أنّ التحضيض طلب بحثّ وإزعاج ، والعرض طلب بلين وتأدّب «فتختصّ» بالدخول على الجملة الفعليّة المبدوّه «بالمضارع ، ولو» كان «تأويلا» ، أي مؤوّلا ، فالتحضيض نحو قوله تعالى : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) [النمل / ٤٦] ، أي استغفروه ، ولا بدّ ومثله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام / ٨] ، فأنزل مؤوّل بالمضارع ، أي يترل ، والعرض نحو : لو لا تترل عندنا فتصيب خيرا ، ومثله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [المنافقون / ١٠] فأخّرتني مؤوّل بالمضارع ، أي تؤخّر ، وإنّما اختصّت في ذلك بالفعليّة ، لأنّها لطلب الفعل ، وكذا إذا كانت للتوبيخ في الماضي ، إذ لا يوبّخ على ترك شيء ، إلا وهو مطلوب ، فيكون للطلب مطلقا ، فاشبهت لام الأمر ، فاختصّت بالفعل ، كما اختصّت لام الأمر به لكونها للطلب.
فإن قيل : طلب الفعل بعد مضيّ وقته مستحيل ، فلا يكون فيها إذا وقع بعدها الماضي دلالة على الطلب. فالجواب أنّها لا تنفكّ عن إفادة معنى الطلب في الوقت الّذي كان صالحا ، وإنّما أوقع بعدها الماضي تنبيها على أنّ المطلوب منه ذلك فوته حتّى انقضى وقته ، فصار كالتوبيخ واللوم على ترك المطلوب ، واقتضى اقتصار المصنّف في معاني لو لا على هذه الوجوه الثلاثة أنّها لا ترد لغيره.
قال الهرويّ (٢) : إنّها ترد للاستفهام ، وحمل عليه قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [المنافقون / ١٠] ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام / ٨] ، ونافية بمترلة لم ، وجعل
__________________
(١) هو لجرير من قصيدة له يهجو فيها الفرزدق. اللغة : العقر : مصدر قولك عقر النافة ، أى ضرب قوائمها بالسيف ، النيب : جمع ناب ، وهي الناقة المسنة ، الضوطرى : الرجل الضخم اللئيم الّذي لا غناء عنده ، والضوطرى أيضا : المرأة الحمقاء ، الكميّ : الشجاع المنكمي في سلاحه : أي المستتر فيه. المقنعا : بصيغة اسم المفعول الذي على رأسه البيضة والمغفر.
(٢) أبو الحسن علي بن محمد نحويّ أديب من أواخر القرن الرابع ، أصله من هراة وسكن مصر ، له الأزهية والذخائر في النحو. مغني اللبيب ص ٣٦٢.