أحدها : أن تكون نافية «مشبهة بليس» ، وتعمل عملها في لغة الحجازيّين ، وقد مضت مشروحة في النواسخ.
«و» الثاني : أن تكون «مصدريّة» ، وتسمّى موصولا حرفيّا ، وهي نوعان :
«زمانيّة» : وتسمّى ظرفيّة ووقتيّة لنيابتها عن ظرف زمان ، نحو : (ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم / ٣١] ، أي مدّة دوامي حيّا ، فحذف الظرف ، ونابت عنه ما وصلتها كما جاء في المصدر الصريح ، نحو : جئتك صلاة العصر ، وآتيك قدوم الحاجّ. وليس معنى كونها زمانيّة أنّها تدلّ على الزمان بذاتها ، لأنّها لو كانت كذلك لكانت اسما ، ولم تكن مصدريّة ، وقد زعم ذلك ابن السكّيت ، وتبعه ابن الشجريّ في قوله [من البسيط] :
١٠٤٣ ـ منّا الّذي هو ما إن طرّ شاربه |
|
والعانسون ومنّا المرد والشّيب (١) |
فقال : معناه حين طرّ شاربه. قال ابن هشام. وزيدت إن بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية كقوله [من الطويل] :
١٠٤٤ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته |
|
... (٢) |
والأولى تقدير ما في البيت نافية ، لأن زياده إن حينئذ قياسيّة ، ولأنّ فيه سلامة من الإخبار بالزمان عن الجثة ، ومن إثبات معنى واستعمال لما لم يثبتا وهما كونها للزمان مجرّدة ، وكونها مضافة ، انتهى.
تنبيهات : الأوّل : تعبير المصنّف بالزمانيّة أحسن من تعبير غيره بالظرفيّة لشمولها نحو : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) [البقرة / ٢٠] ، فإنّ الزمان المقدّر هنا مخفوض ، أي كلّ وقت إضاءة ، والمخصوص لا يسمّى ظرفا ، نبّه عليه في المغني.
الثاني : لا تشارك ما في النيابة عن الزمان إن ، خلافا لابن جني ، وحمل علي قوله [من الطوي] :
١٠٤٥ ـ وتا لله ما إن شهلة أمّ واحد |
|
بأوجد منّي أن يهان صغيرها (٣) |
أي وقت أن يهان صغيرها ، وتبعه على ذلك الزمخشريّ. وخرّج عليه : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة / ٢٥٨] ، (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء / ٩٢] ، أى وقت أن آتاه الله ، وحين أن يصدّقوا ، ومعنى التعليل في البيت والآيات ممكن ، وهو متّفق عليه ، فلا تعدل عنه.
__________________
(١) هو لأبي قيس بن رفاعة اليهودىّ. اللغة : طرّ : نبت ، العانس : من بلغ حدّ التزويج ولم يتزوّج ذكرا كان أو أنثى. المرد : جمع أمرد ، وهو بمعنى الّذي ما طرّ شاربه ، الشيب : جمع أشيب ، وهو المبيض الرأس واللحية.
(٢) تقدّم برقم ٩٢٩ و ٩٣٤.
(٣) لم يذكر قائله. اللغة : الشهلة : العجوزة ، أوجد : أكثر وجدا.