قال أبو حيّان : ويمتنع أن يكون مبتدأ وخبرا ، بل يجب حمله على إضمار فعل ، قال الرضيّ وغيره : وسبب ذلك أنّ الأصل هل أن يكون بمعنى قد فقيل أهل كقوله [من الرجز] :
١٠٧٤ ـ أهل عرفت الدّار بالغريين |
|
... (١) |
وكثر استعمالها كذلك فخذف الهمزة لكثرة الاستعمال استغناء بها عنها وإقامة لها مقامها ، وقد جاءت على الأصل ، نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان / ١] ، أى قد أتي ، وقد مختصّة بالفعل فكذلك هل ، لكنّها لما تطفّلت على همزة الاستفهام انحطّت رتبتها عن قد في اختصاصها بالفعل ، فاختصّت به فيما إذا كان في حيّزها ، لأنّها إذا رأته في حيّزها ، تذكّرت عهودا بالحمى ، وحنّت إلى الألف المألوف ، وعانقته ، ولم ترض باعتراض الاسم بينهما ، وإذا لم تره في حيّزها ، تسلّت عنه ذاهله ، انتهى. بخلاف الهمزة ، فتدخل على اسم بعده فعل اختيارا بدليل قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر / ٢٤] ، وتقول : أزيد قام على الابتداء والخبر.
والخامس : تخصيص المضارع بالاستقبال ، نحو : هل تسافر؟ بخلاف الهمزة ، نحو :
أتظنّه قائما؟
وأمّا قول ابن سيدة في شرح الجمل (٢) : لا يكون الفعل المستفهم عنه إلا مستقبلا فسهو ، قال الله تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) [الأعراف / ٤٤].
السادس : عدم الدخول على أنّ بخلاف الهمزة بدليل قوله تعالى : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) [/ ٩٠].
السابع : وقوعها بعد أم قال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) [الرعد / ١٦].
الثامن : إرادة النفي بها في الاستفهام ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إلا نحو :
(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن / ٦٠] ، والباء في قوله [من الطويل] :
١٠٧٥ ـ ... |
|
ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم (٣) |
بخلاف الهمزة.
__________________
(١) تمامه «لم يبق من أيّ بها يحلّين» ، وهو لخطام المجاشعيّ. اللغة : الغريان : بناءان طويلان ، يقال هما قبر مالك وعقيل نديمي جزيمة الأبرش ، وسمّيا الغريين ، لأنّ النعمان بن المنذر كان يغرّيهما بدم من يقتله في يوم بوسه. لسان العرب ٣ / ٢٨٩١.
(٢) الجمل فى النحو لابن إسحاق الزجاجىّ النحوىّ المتوفّى سنة ٣٣٩ ه. كشف الظنون ١ / ٦٠٣.
(٣) صدره «يقول إذا اقلولى عليها وأقردت» ، وقائله الفرزدق في هجاء جرير. اللغة : اقلولى : ارتفع. أقردت : سكنت.