مكان يسمّى جلجليّة أعطوه خلاً مخلوطاً بمرّ ، فذاقَ ، ولم يرد أنّ يشرب. وقد ذكر في الفصل الثامن والخمسين من إنجيل مرقص : أنّهم أتوا به إلى موضع الجلجليّة وأعطوه خمراً ممزوجاً بمرّ ليشرب ، أمّا هو فلم يأخذه. والمنافاة بين الحكايتين من وجهين.
ومنها : ما في الفصل المائة من إنجيل متّى : أنّ في حشية السبوت صبيحة أوّل يوم من السبوت جاءت مريم المجدلية ومريم الأُخرى لينظرا القبر ، وإذا بزلزلة عظيمة قد كانت ؛ لأنّ ملاك الربّ نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب ، وجلس فوقه ، وكان منظره كالبرق ، ، ولباسه أبيض كالثلج ، فمن خوفه اضطرب الحرّاس وصاروا كالأموات. فأجاب الملاك ، وقال للنسوة : لا تخفن ؛ لأنّي قد علمت أنّكنّ تطلبن يسوع المصلوب ، ليس هو ههنا ، لأنّه قد قام ، كما قال : تعالين انظرن المكان حيث كان أيوب مطروحاً.
وقد ذكر في الفصل الرابع والخمسين من إنجيل مرقص : أنّه لمّا جاء السبت ابتاعت مريم المجدليّة ومريم أُمّ يعقوب وصالومي طيباً ليطبن ويطلبن إيّاه ، وباكرا جدّاً في أوّل يوم من السبوت ، ووافين القبر إذا طلعت الشمس قائلات بعضهن لبعض : من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فتطلعن ونظرن إذ الحجر قد دحرج ؛ لأنّه كان عظيماً جدّاً ، ولمّا دخلن إلى القبر نظرن شاباً جالساً عن اليمين ، لابساً حلّة بيضاء ، فانذهلن ، أمّا هو فقال لهنّ : لا تذهلن ، تطلبن يسوع الناصري المصلوب وقد قام ، ليس هو ههنا.
والمنافاة بينه وبين الأوّل ظاهرة ، إلى غير ذلك من المناقضات والمخالفات الّتي يحال صدورها من خالق الأرضين والسماوات.
وثمّ إنّي أُقسم بمن تفرّد بالقدم ، وأبرز نور الوجود من ظُلمة العدم ، وجعل نبيّنا أفضل من تأخّر من الأنبياء وتقدّم ، وصيّر أُمّته في الظهور كنار على علم. أنّه لولا ثبوت نبوّة نبيّنا بإعجاز القرآن ، وبالمعجزات الّتي تكفي كلّ واحدة منها في قيام البرهان ، ونصّه على كلّ شيء قديم ، لمّا ثبتت والله نبوّة موسى ولا عيسى ولا نوح ولا إبراهيم ؛ لقضاء ما في الإنجيل والتوراة من الاختلافات الظاهرات بعدم صدورهما من جبّار السماوات ، ويكونان على نفي النبوّة أدلّ من الإثبات.