وأمّا المعجزات ، فلا تثبت بعد طول العهد ، وتمادي الأزمنة والأوقات ، ولاحتملنا أنّها من جملة المزخرفات الصادرة من اليهود والنصارى ، وباقي أهل الملل السالفات.
ثمّ إنّ بناء مذهبهم على التثليث ، والاتحاد ، قالوا : فإن احتسبت ثلاثة : الأب والابن وروح القدس ، فلا مانع ؛ إذ لا منافاة بين الحكم بالوحدة والتثليث ، وهذا كلام يضحك منه الجهّال ، ولا ترضاه بعدَ العقلاءِ الأطفالُ.
فإنّ هذه الدعوى لو جازت ، جازت دعوى الاتحاد مع الله لكلّ مجرّد روحاني ، وهو أولى بالادعاء من المركّب الجسماني ، وحيث جرى فيه ، فيجري ذلك في جميع الأنبياء والأوصياء ، ولو شئت لعدّيت ذلك إلى جميع الأشياء.
وصحّ للإنسان أنّ يدّعي الاتحاد مع الملائكة ، والجنّ مع إنسان ، كما اتّحد عيسى ، وكيف يرضى الجاهل فضلاً عن العاقل بصدور الأشياء المتضادّة المتعاندة من الواحد.
وكيف يعبد الإنسان نفسه ، فيصلّي ويصوم ، ويعمل الأعمال لها ، وكيف يجامع ويتلذّذ بأكل وشراب ، وينام ، ويمرض ، ويموت ويحيا ويولد مع اتّحاده بمن لا يكون منه ذلك ، ما هذا إلا كلام سخيف ، لا يرتضيه إلا ذو عقل خفيف.
وأعجب كلّ العجب من اليهود والنصارى! أما يتأمّلون ، وينظرون بما يجيبون إذا وقفوا بين يدي الله حيارى سكارى وما هم بسكارى وناداهم : يا عباد السوء ، يا قليلي الحياء ، يا قليلي الوفاء ، لِمَ لا أطعتم عبدي علّة الإيجاد وسيّد العباد محمّد المختار ، الّذي خلقت نوره قبل جميع الأنوار ، فإن لم تعرفوه فبما عرفتم نبوّة عبادي نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وغيرهم ممّن تقدّم من الأنبياء؟ فإن أجابوا بدلالة المعاجز والآيات ، جاءهم الجواب من ربّ الأرباب : إنّ معاجز عبدي محمّدٍ أدلّ من معاجز عبادي الأنبياء السابقين ، وأولى بالاتّباع ؛ لأنّها أقرب عهداً ، وتلك أبعد ، فإن كنتم تشترطون الرؤية بالعيان ، ولم تعتبروا الأخبار المروية على طول الزمان أو جوّزتم السحر ، لزمكم الكفر بجميع الأنبياء.
وإن اكتفيتم بالمعجزة ، وبما وصلكم من الأخبار ، فقلّة الزمان أدعى إلى صدقها. وإن استندتم إلى الكُتب ، فالقران أدلّ منها ، ونَقَلةُ معاجزه أكثر من نَقَلَتكم ، مع أنّ أكثر