مستتر وجوبا مرفوع على الفاعلية ، والملحق لذلك جماعة منهم ابن هشام في الأوضح خلافا لابن يعيش وابن مالك (١).
وذلك أنّهما قسّما المستتر إلى مستتر وجوبا ومستتر جوازا ، فالأوّل : ما لا يخلفه ظاهر ولا ضمير منفصل وهو المستتر في المواضع المذكورة أوّلا. والثاني : ما يخلفه ذلك ، وهو المرفوع بفعل الغائب ، نحو : زيد قام أو يقوم ، أو الغائبة ، نحو : هند قامت أو تقوم ، أو الصفات المحضة ، نحو : زيد قائم أو مضروب أو حسن ، أو اسم الفعل الماضي ، نحو : زيد هيهات.
قالا : فالضمير في هذه الأمثلة وما شابهها مستتر جوازا بدليل أنّه يخلفه الظاهر أو الضمير المنفصل ، فيقال : قام أبوه ، وما قام إلا هو. وتعقبهما ابن هشام بأنّ استتار الضمير في نحو : زيد قام ، واجب لا جائز ، إذ لا يصحّ أن يقال : زيد قام هو مثلا على أن يكون هو فاعلا لقام ، وكون الظاهر أو الضمير المنفصل قد يقع في موقع هذا الضمير المستتر لا يوجب إثبات جواز الاستتار له ، وذلك لأنّ تركيب زيد قام أبوه ، أو ما قام إلا هو غير تركيب زيد قام ، وليس الكلام فيه. أمّا زيد قام فضميره واجب الاستتار دائما ، ولا يظهر في حين من الأحيان ، ولو قلت : زيد قام هو ، فهو توكيد للضمير المستتر ، لا فاعل.
وكذا قال الرضيّ بوجوب الاستتار في ذلك ، وفي جميع الصفات ، وما نفاه من أن يكون هو في نحو : قام هو فاعلا ، فيه بحث. قال في التصريح : والمنقول عن سيبويه أنّه أجاز في هو من نحو : قوله تعالى : (أَنْ يُمِلَّ هُوَ) [البقرة / ٢٨٢] ، أن يكون فاعلا ، وأن يكون توكيدا ، ونقل المراديّ عنه أيضا في شرح التسهيل أنه أجاز في هو من نحو : مررت برجل مكرمك هو ، أن يكون فاعلا ، وأن يكون توكيدا ، وكذلك إذا جرى الوصف على غير من هو له وأبرز الضمير يكون فاعلا باتّفاق البصريّين والكوفيّين.
قال : والنظر الجيّد أن يقال : ما ذهب إليه ابن مالك وابن يعيش وغيرهما مشكل ، لأنّه لا يخلو إمّا أن يريدوا بجواز الاستتار أنّه يجوز إبراز الضمير متّصلا أو منفصلا والأوّل متعذر ، والثاني مخالف لما أصّلوه من القواعد ، وهو أنّه إذا أمكن الاتّصال لا يعدل عنه إلى الانفصال إلا فيما يستثني ، وليس هذا منه ، انتهى.
__________________
(١) يبدو أنّ الحقّ مع النّحويّين الّذين يقولون بأنّ الفاعل في هاتين الصيغتين ضمير مستتر جوازا ، لأنّنا إذا قارنّاهما بالصيغ الّتي الفاعل فيها ضمير مستتر وجوبا رأينا بأنّ الاسم الظاهر لا يقع بعدها أبدا ، ولكن بعد هذه الصيغ يمكن أن يأتي اسم ظاهر كفاعلهما.