خلاف الأصل. قال الجمهور لم يعملها الحجازيّون مطلقا ، بل بشرط اجتماع ثلاثة أمور فيهما معا سوى ما ينفرد به كلّ منهما كما سيأتي.
أحدها : بقاء النفي ، أي نفي خبرهما ، لأنّ عملهما أنّما كان لأجل النفي الّذي شابهتا ليس به ، فكيف يعملان مع زوال المشابهة بانتقاض النفي ، ولذلك وجب الرفع في نحو : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) [القمر / ٥٠] ، (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران / ١٤٤] ولا رجل إلا قاعد ، وما زيد إلا فعله حسن. وأما قوله [من الطويل] :
١٧٠ ـ وما الدّهر إلا منجنونا بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلا معذّبا (١) |
فمن باب ما زيد إلا سيرا ، والتقدير إلا يدور دوران منجنون ، ويعذّب معذّبا أي تعذيبا.
وقال ابن مالك : أنّه تكلّف على أنّ سيبويه لا يرى أنّ صيغة المفعول تكون بمعنى المصدر ، قال : والأولى أن يجعل منجنونا ومعذّبا خبرين منصوبين بما إلحاقا لها بليس ، قال : وأقوي من هذا قول الآخر [من الوافر] :
١٧١ ـ وما حقّ الّذي يعثو نهارا |
|
ويسرق ليله إلا نكالا (٢) |
ولأجل هذا الشرط وجب الرفع في المعطوف ببل ولكن على الخبر ، نحو : ما زيد قائما بل أو لكن قاعد ، على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، ولم يجز نصبه بالعطف ، لأنّه موجب.
تنبيهات : الأوّل : تعبيره ببقاء النفي وإن كان أولى من تعبير بعضهم بعدم انتقاض النفي بإلا لشموله الانتقاض بلمّا الاستثنائيّة (٣) أيضا كما رأيت ، إلا أنّه يرد عليه انتقاض النفي بالنسبة إلى معمول الخبر دون نفس الخبر ، نحو : ما زيد قائما إلا في الدار ، فإنّ النفي في ذلك يصدق عليه أنّه قد انتقض ، مع أنّ النصب واجب باجماع ، فتدبّر.
الثاني : إذا انتقض النفي بكلمة غير نحو : ما زيد غير قائم ، فالفرّاء يجيز النصب ، والبصريّون يوجبون الرفع.
الثالث : ما ذكر من وجوب الرفع مطلقا في الخبر المنتقض نفيه هو قول الجمهور. والثاني جواز النصب مطلقا وهو قول يونس ، والثالث جواز النصب بشرط كون الخبر وصفا وهو قول الفرّاء (٤) ، والرابع جواز النصب بشرط كون الخبر مشبّها به وهو قول بقية الكوفيّين ، قاله في التصريح.
__________________
(١) البيت لأحد بني سعد ، اللغة : المنجنون : الدولاب الّذي يستقي عليه.
(٢) البيت لمغلس بن لقيط. اللغة : يعثو : يفسد أشدّ الإفساد ، النّكال : العقاب.
(٣) سقط الاستثنائية في «س».
(٤) في «س» سقط من الثاني حتى هنا.