و [الشرط] الثاني : تأخّر الخبر عن اسمها ، فلو تقدّم بطل العمل كقولهم : ما مسيء من أعتب ، ولا قاعد رجل ، ويروى مسيئا على الإعمال ، وهو شاذّ وأمّا قول الفرزدق [من البسيط] :
١٧٢ ـ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم |
|
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر |
ففي انتصابه أربعة أقوال : قيل : إنّ الفرزدق تميميّ ، وسمع أنّ أهل الحجاز ينصبون الخبر ، ولم يعلم أنّ ذلك يختصّ بالتأخير دون التقديم ، فغلط على لغة غيره لا على لغته فلذلك لم يسقط الاحتجاج بلغته ، وقيل : إنّ إعمال ما في الخبر لغة للعرب إذا تقدّم ، وهذه دعوى. وقيل : إنّ مثلهم ينتصب على الحال ، وإنّ الخبر العامل في الحال محذوف ، كأنّه قال : وإذ ما في الدنيا مماثلا لهم بشر ، وهذا ضعيف ، لأنّ المعاني لا تعمل في الأحوال وتحذف ، وقيل : إنّ مثلهم ينصب على الظرف ، كما تقول : ما أحد مثل زيد ، وأنت تريد ما أحد فوقه في المترلة ولا مكانه في الشرف ، قاله ابن بابشاذ في شرح الجمل ، وقيل : مثلهم مبتدأ ، ولكن بني لإبهامه مع أضافته للمبنيّ.
الثالث : تأخّر معمول الخبر عن الاسم ، فلو قدّم بطل العمل ، كقوله [من الطويل] :
١٧٣ ـ وقالوا تعرّفها المنازل من منى |
|
وما كلّ من وافي منى أنا عارف (١) |
فيمن نصب كلّا لضعفهما في العمل ، فلا يتصرّف في خبرهما ولا معموله ، إلا إذا كان المعمول ظرفا أو مجرورا ، فيجوز التقديم ، ولا يبطل العمل ، نحو : ما عندك زيد مقيما ، وما بي أنت مستغنيا ، لتوسّعهم فيهما ما لا يتوسّع في غيرهما كما مرّ (٢) ، وقضية كلامه كغيره إن تقدّم الخبر يمنع العمل ، وان كان ظرفا أو مجرورا.
وصرّح به ابن مالك ، وقيل : لا يمنع حينئذ. قال بعضهم : وهو المختار قياسا على معمول الخبر وعلى خبر أنّ وأخواتها. وقال غيره : ما صحّحه ابن مالك من منع تقديم الخبر الظرفي لا يكاد يعقل ، فإنّ تقديم المعمول فرع تقدّم العامل بل لو عكس فصحّح الجواز في الخبر ، والمنع في معموله لكان أشبه بالصواب ، فإنّ المعمول قد يمنع تقدّمه ، حيث يجوز تقدّم العامل ، ألا ترى أنّ معمول خبر كان لا يتقدّم على اسمها مع جواز تقدّم الخبر.
«ويشترط في ما» خاصّة «عدم زيادة إن» الزائدة «معها» ، فلو زيدت بطل العمل ، كقوله [من البسيط] :
__________________
(١) هو من قصيدة لمزاحم بن الحارث بن عمرة العقيلي. اللغة : تصرّف : فعل أمر ، والمنازل : منصوب على نزع الخافض والأصل : تعرفها في المنازل ، والمنى : موضع النحر بمكة ، وافى : فعل ماضي بمعنى أتى وبلغ.
(٢) سقط مرّ في «ح».