في النقل فيه على الكتب المعتبرة ، كما يصدّق إن شاء الله تعالى خبره خبره ، والله الهادى إلى الصّواب ، وإليه سبحانه المرجع والمآب.
ولنقدّم أمام المقصد كلاما مختصرا يتعلّق بترجمة المصنّف (ره) فنقول : هو الإمام الفاضل المحقّق النحرير (١) المحدّث الفقيه المجتهد النحويّ الكبير ، مالك أزمّة الفضائل والعلوم ، محرز قصبات السّبق (٢) في حلبتى (٣) المنطوق والمفهوم ، شيخ العلم وحامل لوائه ، بدر الفضل وكوكب سمائه ، أبو الفضائل بهاء الدين محمد بن الشّيخ عزّ الدين حسين بن الشّيخ عبد الصّمد بن الشيخ الإمام شمس الدين محمّد بن على بن حسين بن محمد بن صالح الجبعيّ العامليّ الحارثيّ الهمدانيّ. مولده عند غروب الشمس يوم الأربعاء سابع عشر ذى الحجّة الحرام سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة ، كذا نقلته من خطّ والده.
كان ذا فضل زاهر وأدب باهر ، ملك للعلوم فيادا (٤). وأعمل فيها رواسم (٥) وجيادا (٦) ، خبّ (٧) فى المعانى ، ووضع ورفع ما شاء ، ووضع فأصبح ، وهو المختلف إليه ، والمتّفق عليه ، حجّته قاطعة ، وبهجته ساطعة ، به يهتدي السارون ، ومنه يحتدي الممتارون (٨) ، لم يكن في زمانه من يجاريه ، ولا يباريه ، بل لا يقاربه ولا يدانيه ، إليه ترجع الأقوال إذا تصعّبت ، وعليه تجتمع الآراء إذا تشعّبت ، فلله هو من إمام ألبست كتابى بذكره تاجا ، وأوضحت له من سبيل اليمن منهاجا ، فأصبح بإكليل (٩) إليها مكلّلا ، وبسماء الفخار مظلّلا ، وناهيك ببهاء الدّين من بهاء ، منه مبدأ الفضل ، وإليه المنتهى.
وكان قد سلك في أوائل عمره نهج السّياحة ، واتّخذ الفقر درعه وسلاحه ، فطوى الأرض ، وذرع منها الطول والعرض ، فكان مدّة سياحته ثلاثين سنة ، لا يلذّ بنوم ، ولا تطيب له سنة إلى أن أقام ببلاد العجم ، تابعا لسلطانها راقيا من المكانة أرفع مكانها ، فغالت (١٠) تلك الدولة في قيمته ، وغالبت في نشر لطيمته (١١) ، فرسا (١٢) بها رسو ثبير (١٣) ، و
__________________
(١) النحرير : العالم الحاذق في عمله (ج) النحارير.
(٢) أحرز قصب السبق : أصله أنهم كانوا ينصبون في حلبة السباق قصبة فمن سبق اقتلعها ، وأخذها ليعلم أنّه السابق.
(٣) الحلبة : ميدان السباق.
(٤) الفيّاد : المتبختر.
(٥) الرواسم : جمع الراسمة بمعني المسرعات في سيرهنّ ، مأخوذ من الرسيم ، وهو ضرب من سير الإبل السريع.
(٦) الجياد : جمع الجواد : النحيب من الخيل.
(٧) خبّ في الأمر : أسرع فيه.
(٨) منه يحتدي الممتارون : تبعه الّذين يجمعون الطعام لأهلهم أو لأنفسهم.
(٩) الإلكيل : التاج.
(١٠) غال في قيمته : بالغ فيها.
(١١) اللطيمة : وعاء المسك.
(١٢) رسا : ثبت.
(١٣) الثبير : جبل بمكّة.