العامل المحدث للفتحة الإعرابيّة فعطف عليه لفظا لمشابهة الفتح فيه النصب ، وأما الخبر فلا يجوز عند سيبويه أن يقدّر لهما خبرا واحدا بعدهما ، لأنّ خبرما بعد لا الأولى مرفوع عنده بما كان مرفوعا به قبل دخول لا ، وخبر ما بعد لا الثانية مرفوع بلا الأولى ، لأنّ الناصبة لاسمها عاملة عنده في الخبر وفاقا لغيره ، فيلزم ارتفاع الخبر بعاملين مختلفين ولا يجوز ، فيجب أن تقدّر لكلّ منهما خبرا على حياله ، فيكون الكلام عنده جملتين.
كذا قرّره الرضيّ وعند غيره يجوز تقدير خبر واحد لهما ، لأنّ العامل عندهم ، لا وحدها فيكون الكلام حينئذ جملة واحدة ، ويجوز أن تقدّر عندهم لكلّ خبرا ، فيكون الكلام عندهم جملتين أيضا ، هذا الوجه أضعف الوجوه حتى خصّه يونس وجماعة بالضرورة ، لأن نصب الاسم (١) مع وجود لا ضعيف ، والقياس فتحه بلا تنوين ، فهو عندهم كتنوين المنادى المفرد المعرفة ، وجعله الزمخشري منصوبا على إضمار فعل ، أي ولا أري قوّة.
تنبيهان : الأوّل : هذه الخمسة الأوجه مأخوذة من اثني عشر وجها ، وذلك لأنّ ما بعد لا الأولى يجوز فيه البناء على الفتح ، والرفع على الإلغاء ، الرفع على إعمالها عمل ليس فهذه ثلاثة ، وما بعد لا الثانية يجوز فيه ذلك ، ووجه رابع ، وهو النصب. وإذا ضربت هذه الأربعة في الثلاثة الأوّل بلغت اثني عشر ، وكلّها جائز إلا اثنين ، وهما رفع الأوّل على الإلغاء أو على الإعمال عمل ليس ونصب الثاني. وأنهاها ابن الفخار (٢) في شرح الجمل إلى مائة وواحد وثلاثين وجها ، قاله في التصريح.
الثاني : إذا لم تتكرّر لا مع المعطوف وجب فتح الأوّل وجاز في الثاني الرفع والنصب كقوله [من الطويل] :
١٩٤ ـ لا أب وابنا مثل مروان وابنه |
|
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا (٣) |
روى وابن بالرفع عطفا على محلّ لا مع اسمها ، وبالنصب عطفا على محلّ اسمها باعتبار عملها ، وربّما فتح منوّنا معه لا. حكى الأخفش : لا رجل وامرأة بالفتح. وهو شاذّ.
__________________
(١) لأنّ نصب الاسم المفرد «ح».
(٢) محمد بن على بن أحمد يعرف بابن الفخار ، كان مبرّزا أمام أعلام البصريين من النحاة ، مات سنة ٧٥٤ ه. بغية الوعاة ١ / ١٧٤.
(٣) هو للربيع بن الفزاريّ. اللغة : مروان : أراد به مروان الحكم ، ابنه : أراد به عبد الملك بن مروان ، ارتدي وتأزّرا : كنى بإرتدائه المجد وتأزّر به عن ثبوته له أفرد الضمير تعويلا على أن إسناد شيء إلى أحدهما كإسناده إليهما جميعا إذ كان الغرض مدحهما معا.